الشريعة الإسلامية لا تعرف العواطف ولا النفاق ولا حتى المجاملات , وكما نعلم أن المقاصد الخمسة للشريعة هي : حفظ الدين , حفط العقل , حفظ المال , حفظ النسل , حفظ النفس , وللتركيز على الأخيرة "حفظ النفس" وهي موضوع البحث , لنجد منطقياً أن كل ما يستخدمه الإنسان من وسائل , أو مأكل أو مشرب , قد تسبب له الضرر , فهي تحت بند المحرمات , وذلك لأن كل الأديان السماوية والشرائع , وخاصة الشريعة الإسلامية تتفق مباشرتاً مع المنطق , والتي تؤكد أن جسد الإنسان ليس ملك له , بل هو ملك لخالقه ولا يجوز التصرف به , أو إستخدامه لأغراض دنيوية .

الدين يسر.. لقد يسر الله الدين للناس بهدف الحفاظ عليه من المشقة والهلاك , فصلاة الجمع والقصر مثلا , شرعت للحفاظ على جسد الإنسان من حر الصيف وبرد الشتاء , ووحل الأرض وقوة الرياح , وأيضاً شرعت في حالة الحرب والخوف , وفي حالة السفر والغربة , وكذلك التيمم في حالة عدم قدرة الإنسان على تحمل الماء الساقع في البرد القارص , أو الماء الساخن في الحر الشديد , وهناك مئات الأحكام الفقهية والتي تتناول الحفاظ على جسد الإنسان في أبواب فقهية مختلفة.. بعد كل هذا , فليس من المنطق أن يستخدم الإنسان المسلم , أو أي إنسان جسده كورقة ضغط دنيوية , ومهما كان هذا الإنسان يعاني من ظلم أو قهر , فلا يجوز له أن يمنع نفسه عن الأكل والشرب حتى يهلك جسده , ويصل الى مرحلة المرض المزمن أو الموت , وهنا يأتي الدور الحقيقي للمنطق , فمثلا لو حقق الشخص المضرب عن الطعام أهدافه الدنيوية , وذلك بعد إضراب طويل تسبب في تلف بعض أعضاء جسده , أو تسبب له بمرض مزمن أو عاهة مستديمة , فماذا سيستفيد من الدنيا وما عليها بعد فقدانه صحته وهلاك جسدهّّ!! , وعلى فرض أن هذا المضرب عن الطعام , برر إضرابه لأسباب ثورية ونضالية تتعلق بحياة أناس آخرين مثلاً , أو تتعلق بالجهاد في سيبل الله , أو الوطن والحرية.. فمن قال له أن الإضراب عن الطعام أو الإنتحار يعتبر وسيلة جهادية مشروعة!! , فإذا كان كذلك يجب عليه أن يراجع معلوماته الشرعية ومصادرها وأحكامها ولا يقف عند ذلك .

لم أكتب هذا المقال مستنداً على المنطق فقط , أو على أحكام الجمع والقصر والتيمم والمعللة فقهياً , بل إنني بحثت في هذا الموضوع شرعاً , ومن القرآن والسنة , وإستمعت الى أراء غالب علماء المسلمين المعاصرين , والتي كانت آرائهم تستند الى السلف الصالح , بالدليل والبرهان والحجة , ولم أجد عالماً واحداً يحلل أو يبرر الإضراب عن الطعام حتى مرحلة هلاك الجسد أو الموت , فكان على رأس هؤلاء العلماء في عملية بحثي , الشيخ العالم "محمد متولي الشعراوي" رحمه الله , والشيخ العالم "محمد ناصر الدين الألباني" رحمه الله , والشيخ العالم "محمد بن صالح العثيمين" رحمه الله , بالإضافة الى نخبة من علماء السعودية الوهابية , والسلفية الدعوية , والأزهر الشريف.. فجميعهم أجمعوا أنه لا بأس أن يكون الإضراب عن الطعام محدوداً , وبهدف إرسال رسالة معينة , وأن لا يتعدى بضعة أيام , وأن لا يؤثر سلباً على الجسد والتي هو ملك لله خالقه .

اللهم إني بلغت.. اللهم فأشهد

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد