بعض المحللين العسكريين والسياسيين يعتقد أن جولة المواجهة الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله" انتهت بخروج الطرفين رابحين، والحديث هنا عن بنيامين نتنياهو وحسن نصرالله على وجه الخصوص، فالأول يستطيع أن يدعي أنه يقود الجيش الإسرائيلي باقتدار كوزير أمن (دفاع) وأن هذا الجيش يضرب في كل مكان، من سورية والعراق ولبنان وأي مكان تشاء إسرائيل دون رادع ودون أي ثمن يذكر، حتى مع "حزب الله" الذي يخشاه الإسرائيليون. ونصر الله في المقابل يستطيع القول إنه نفذ ما وعد به وهو الرد على الهجمات الإسرائيلية ضد مقاتلي الحزب في سورية وضد الضاحية الجنوبية في بيروت بالطائرات المسيرة. وهو هدد بالرد من لبنان وليس من مزارع شبعا المحتلة، وكان له ذلك باستهداف ناقلة الجند في قاعدة "افيفيم"، يقول "حزب الله" إنه قتل وأصاب من فيها، وتدعي إسرائيل على لسان نتنياهو شخصياً أن أحداً لم يصب في هذه العملية، وأنه بذلك خرق قواعد اللعبة السابقة وحدد قواعد جديدة بدأت بعملية "أفيفيم" حيث الرد من لبنان وبشكل مفتوح من أي مكان في لبنان. لكن هذا التحليل في الواقع يخلو من العمق وفيه نواقص وعيوب.


أولاً: إن عملية القصف التي أدت إلى مقتل اثنين من مقاتلي "حزب الله" في سورية ليست الأولى، فقد قتل في عمليات قصف سابقة قادة ومقاتلون من الحزب منهم على سبيل المثال القائد سمير قنطار وغيره، وسقط كذلك جنود وضباط إيرانيون وسوريون، فما الذي جعل "حزب الله" يغضب هذه المرة؟ هل هو التهديد المباشر للضاحية ولحياة قادة الحزب، أم أن الوضع العام الجديد في سورية وفي إيران يستوجب تصرفاً مختلفاً من الحزب؟ قد يكون الضغط الأميركي على إيران سبباً في التوتر في المنطقة على جبهتي غزة ولبنان مع الفرق في حجم المخاطر، وقد تكون انتصارات الجيش السوري في جبهة إدلب سبباً لحصول تغير في سلوك "حزب الله" في المرحلة الأخيرة من الحرب السورية، وقد تكون جميع هذه العوامل مجتمعة بصورة أو بأخرى هي المحرك لموقف نصر الله. 


وفي الحالة الإسرائيلية، كان واضحاً أن نتنياهو تصرف كمن تورط من حيث لم يحسب، وبعد ذلك بحث عن خلاص من الورطة بأقل الأثمان حتى لا تضطر إسرائيل لخوض حرب عشية الانتخابات قد تكون نتائجها وبالاً عليه. ولا شك أن إسرائيل سارعت للاتصال بجهات دولية عديدة لمحاولة منع "حزب الله" من الرد أو جعل الرد رمزياً وغير مؤذ، بحيث يعفيها من الدخول في حرب. وقد حصل ذلك حتى بمناورة إسرائيلية هدفها إيهام "حزب الله" بأن العملية حققت نتائج مهمة باستخدام صور طائرة مروحية من مناورة سابقة في مستشفى "رمبام" في حيفا. وبالرغم من أن إسرائيل خرجت من الجولة بدون خسائر تذكر، إلا أنه من الناحية المعنوية لم يكن هناك انتصار لإسرائيل بل بقيت هواجس الخوف من الانفلات على الجبهة الشمالية قائمة. وإسرائيل تعلم ماذا ينتظر سكان الشمال لو اندلعت حرب جدية واسعة هناك.


معنوياً إسرائيل لم تكن رابحة في هذه الجولة السريعة، حتى لو لم تخسر وعليها إعادة حساباتها بخصوص خطواتها المستقبلية في سورية ولبنان، وستكون الفترة التي تلي تشكيل الحكومة القادمة حاسمة في تحديد السلوك الإسرائيلي العدواني، هل تستمر في عمليات القصف والاعتداء على الدول العربية وربما في أماكن أخرى بحجة مواجهة التمدد والتمركز الإيراني في المنطقة، أم أنها سترتدع مما جرى خلال الأيام الماضية؟ العارفون للعقلية والسلوك الإسرائيلي يقدرون أنها مسألة وقت فقط للعودة إلى مربع الحرب، وهذه المرة سيكون "حزب الله" مطالباً بالرد على كل اعتداء إسرائيلي مهما كان، وستكون المرات القادمة أكثر شدة وإيلاماً. وحتى لو استطاع نتنياهو الادعاء بقيادة الأمن الإسرائيلي في مواجهة "حزب الله" وإيران بشكل جيد، فهناك من يعلم أنه توسل لعدم قيام "حزب الله" برد يدخل إسرائيل في حرب لا تحمد عقباها. وربما يشفع له أن الجمهور الإسرائيلي ينظر إلى "حزب الله" بصورة مختلفة عن نظرته للفصائل في غزة، وهذا ربما يجنبه الاتهام بالتخاذل والضعف مقابل الحزب كما هو متهم بذلك أمام غزة التي يدرك الإسرائيليون أن بإمكانهم توجيه ضربة شديدة لها بدلاً من السماح بإدخال الأموال والتسهيلات مقابل الهدوء.


في الجهة المقابلة، لم يسجل نصر الله إنجازاً كان يتوقعه أنصاره وبالرغم من الشرح الطويل الذي قدمه لتغيير قواعد اللعبة، وأن ما حصل يوم الأحد الماضي هو بداية لخطوط جديدة تتجاوز ما كان معمولاً به في السابق، لم يقتنع الناس بأن عملية "حزب الله" هي الرد الملائم الذي توقعوه بالنظر إلى الوعود وتجربة الماضي، بل هناك من يعتقد أن ما حصل سيناريو متفق عليه وتم إخراجه بشكل سيئ. وأنصار الحزب توقعوا رداً موجعاً بمستوى عملية عام 2006 التي خطف فيها جنود إسرائيليون. وعلى كل حال الجميع باتوا بانتظار الجولة القادمة لاختبار سلوك كل الأطراف، فهذه الجولة انتهت بدون رابحين وربما خاسرين باستثناء الخسارة المعنوية، ولكنها ستقود إلى أمور جديدة وربما مواجهة أشد وأقوى أو تفاهمات أوسع واتفاقات تشمل ملفات عديدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد