شرح درس صاحب الجنتين للصف العاشر في الأردن
وردت قصةُ صاحب الجنتين في القرآن الكريم في سورة الكهف، قال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا*كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا).
وتقدم قصة الجنتين وجهتي نظر مختلفتين لمظاهر الحياة، وما فيها من رزق يتفاوت بين الناس، بين الغنى والفقر لحكمة ربانيّة عظيمة، فالقصة تتكلّم بواقعيّة عن وجهة نظر إنسان مؤمن فقير، ولكنّه متوكّلٌ على الله، مؤمنٌ بالله حقّ الإيمان؛ لأنّه يعلمُ يقيناً أنّ الحياةَ الدنيا لا تساوي شيئاً لو قُورنت بالآخرة، وما أعدّهُ الله تعالى للمؤمنين في الجنات.
والرجل الآخر هو صاحب الجنتين الذي فتنته أملاكهُ فظنّ أن هذا النعيم الدنيوي نعيمٌ دائمٌ؛ وهو رجلٌ كافرٌ بأنعم الله، رزقهُ اللهُ جنتين وبستانين عظيمينِ جميلينِ، وكانت تلك الجنتانِ مزروعتين بالأعناب وتحيط بهما أشجار من النخيل.
ولكنَ هذا الرجل بجهله وكفره فُتن بهذه النعمة العظيمة، وفُتِن بهاتين الجنتين وما تُنتجانهِ من شتّى أنواع الثمار والفواكه، حيث أمرَ اللهُ الجنتين بأن تُنتجا لذلك الرجل صاحب الجنتين شتّى أنواع الثمار فاستجابت الجنتانُ لأمرِ الله، فأنتجتا ثماراً يانعةً ناضجةً، تسرُّ الناظرين.
والأصل أن يكون موقف صاحب الجنتين الشكر لله على هذه النَعم العظيمة الجزيلة، ولكنّه بدل ذلك تجاوز وغفل وكفر بالنعمة، وأخذ يتكبّرُ على الرجل الفقير(وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا )، لم يؤمن، ولم يشكر الله على النعمة، لم يتصدّق، ولم يقُم بما يجبُ عليه، بل كفر ومنع وتكبّر، ونسب الخيرَ والنعمة لنفسهِ، بدل أن ينسبها للمُنعِمِ المتَفَضِّل سبحانه وتعالى.
وظنَّ صاحب الجنتين أن هذهِ النعمةُ لن تَزول بل ادّعى أنّه إن رجع إلى الله فسيجد أفضل من هذه الجنات لا إيماناً بالله بل تعنّتاً وتكبّراً، فهو يظنُ نفسه صاحب المكانة العالية، وله الوجاهةُ والأفضليةُ على ذلكَ الرجل الفقير ومن في مثل وضعه، (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا*وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا).
ويأتي ردُّ الرجل المؤمن الثابت على الإيمان، المتمسك بالميزان الإيماني الصحيح ولم تخدعهُ الحياةُ الدنيا وزُخرُفها، فَيردُ على كُفروتكبّر وتعنّت صاحب الجنتين، بحوارٍ هادئ هادف، يُذكّر صاحب الجنتين بأصلِ خلقته من ضعفٍ ومن مادةٍ ضعيفةٍ فيقول له: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا).
ويتابع أنّه ثابتٌ على الإيمان بالرب المُنعِم المتفضّل سبحانه وتعالى، وأنّ الأصلَ أن يرتبطَ قلبُ العبدِ بالله في الغنى والفقر وفي كل الأحوال، وأن الصحيح إذا دخل الإنسانُ أملاكاً لهُ أن يقول: ما شاء الله، وأن ينسب القوة والملك والنعمة لله سبحانهُ فيقول: لا قوة إلا بالله (لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا))، ويتابعُ الرجلُ المؤمنُ حوارهُ بكل ثقة وإيمان عظيمينِ ثابتينِ راسخَينِ.
فيقول المؤمنُ لصاحب الجنتين إن كنتَ تراني فيما يظهرُ لكَ من علمكَ القاصر المتعلق بالظاهرِ، أنك أغنى مني مالاً وأكثر عدداً وقوةً ومنعةً، فإن الله سبحانه وتعالى قادرٌ أن يعطيني خيراً من جنتك، وأخذ يحذّره من غضب الله تبارك وتعالى فإن عاقبة الكفر والبغي والاغترار بالنعمةِ عاقبةٌ وخيمةٌ، فالله سبحانه وتعالى قادرٌعلى أن يهلك جنتيك ويدمرهما؛ بسبب اغتراركَ وبغيك وظلمك وكفرك (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا*أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)
ثم يأتي عقابُ الله سبحانه وتعالى لذلك الكافر المعاند الذي اغترّ بالدنيا، واغترّ بجنتيه، فقاده غروره وكفره إلى أن غضب الله عليه، فاستحق العقاب من الله العظيم، جبّار السموات والأرض، فأرسل الله سبحانه وتعالى على جنتي ذلك الرجل صاعقةً دمّرت الجنتين، وأهلكتهما، وأتلفت ما فيهما من ثمار.
فندم صاحب الجنتين على ما قدّم، وأدرك أنه استحقَ زوال هذه النعمة العظيمة الجليلة؛ بسبب كفرهِ وعنادهِ وغروره (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا*وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا).
وجاء ندم الرجل بعد هلاك جنتيه وخسارته لما أنعم اللهُ عليه، وعلمَ وقتها أنه لا عظيمَ ولا ناصرَ إلا الله، ولا يستحقُّ العبادةَ إلا الله، وأنّ النعمة يجبُ أن تُقابلَ بشُكر الله عليها، وأدرك أنهُ أخطأ أكبر الخطأ حينما منعَ الصدقةَ، وحرم الفقراءَ والمساكين من حقهم في هذهِ النعمة.