ما الذي يريده تنظيم "داعش" من عمليات الذبح والحرق وقطع رؤوس مئات البشر من جنسيات مختلفة وأديان مختلفة في مناطق مختلفة؟ يعمق السؤال جرحنا عندما يكون الاستثناء الوحيد من حفلات القتل هم الإسرائيليون..


الإسرائيليون قتلوا أكثر، شرّدوا أكثر. لا هدف لهم سوى الفلسطينيين بشرا كان أم شجرا أم حجرا. وقبل كل جريمة كان هناك حملة "تبرير" استباقية. كان الفلسطينيون ينتظرون نفيرا عربيا وإسلاميا نحو المسجد الأقصى، فإذا بكبير ما يسمى علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي وجماعة الاخوان يسارعون إلى اعتبار النفير "خدمة" للاحتلال!.


كان الفلسطينيون ينتظرون وحدة فصائلهم للمحافظة على عدالة قضيتهم وإبقاء معاناة شعبهم تتصدر اهتمامات العالم، فإذا بحركة إسلامية أنشئت حديثا تسعى لإقامة الخلافة الإسلامية وتدعي حرصها على نشر الاسلام فتسرق اهتمامات العالم بسلوك متوحش تقشعر له الأبدان.


منذ نشأة تنظيم "داعش" لم نسمع من خليفته أبو بكر البغدادي ومن قبله الزرقاوي ما يؤشر إلى احتمال أن يكون تحرير المقدسات الاسلامية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وذبحه بالجملة والمفرق في كافة الحروب التي شنت عليه مكانا في أولوياته. فتشنا في مصادر إعلام التنظيم وفي خطب الخلافاء المتعاقبين فما وجدنا ما يمني النفس الفلسطينية الجريحة بما يخفف عنها ظلم عشرات السنين. لم نجد سوى أشكال متنوعة من القتل والذبح والحرق ,مارسوها بدم بارد. كلما ذهب بنا الظن إلى أن ذلك أقصى درجات الجنون فاجأنا تنظيم " داعش" بقدرته على ابتداع وارتكاب ما هو أكثر، وأبعد مما نتخيل، أو نراه في أفلام رعب تبعث على فقدان العقل ,حتى صار نهجا استوحش به القتلة وتلذذوا بما فعلوا , وأدمنوه على سبيل التمكين.


لا نتوقع أن تشفع صرخات الضحايا وتوسلاتهم ودموعهم، ودموع من ينتظرون عودتهم لهم أو أن تجد صدى في قلوب قتلة يرفعون شعارا مطرزا يحمل اسم الجلالة ورسوله الكريم. فقد أسقط هؤلاء مبدأ تبادل الاسرى، وركلوا ما عرفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يطلب من الأسرى تعليم عشرة من أبناء المسلمين ليكونوا بعدها أحرارا لوجه الله حاملين معهم عبرة تسامح المسلمين وسماحة الإسلام.


لماذا هم متوحشون إلى هذا الحد؟. هل كانوا ضحايا سجون التعذيب؟ إذا كان الأمر كذلك فالمتوقع أن يصاب الشعب الفلسطيني بالتوحش ذلك أن الغالبية العظمى من شبابه خضعوا لتعذيب قاس ومرير على أيدي عتاة الجريمة والتعذيب في العالم في سجون امتدت على طول وعرض بلادهم المغتصبة، ومازالت.


أي صفحة يكتبها تنظيم "داعش" عن المسلمين؟. في ظني أن ما يحدث صفحة جديدة من التوحش البشري لا يوازيه إلا أكلة لحوم البشر. ولسوف يعجز علماء النفس وعلماء الجريمة وعلماء الاجتماع في بحثهم عن إيجاد مصطلح يوازي ما يفعله بعض من أفسحوا الطريق للحاهم كي تطول باسم الاسلام وتركوا سيوفهم تعمل في رقاب المسلمين وغيرهم بلا رحمة.


بالتأكيد، شاهد اليابانيون صورة ابنهم الذبيح كينجي غوتو على يد داعش. تصوروا ما هي رد فعل شعب على ذبح أحد ابنائه. الاكيد أن موقفا عدائيا سيتشكل لدى اليابانيين مفاده أن المسلمين قتلة متوحشون. ولا ادري كم نحتاج من الوقت لاستعادة تعاطف اليابانيين. لست اتحدث عن جريمة إعدام الطيار الاردني حرقا، ولاعن ذبح عشرين مسيحيا مصريا لا ذنب لهم سوى البحث عن لقمة عيش في بلد مجاور كانت تسمى ليبيا وأصبح يتنازع حكمها ميليشيات إسلامية.


رحم الله الرئيس الشهيد ياسر عرفات. كان لا ينام إذا تصدر مشهد عارض في الدنيا اهتمامات الرأي العام العالمي عن فلسطين. وأظنه لا ينام في قبره بسلام، وقد سرق إسلاميون صدارة المشهد المروع، وصارت فلسطين – أرضا وشعبا ومقدسات – مرة أخرى ضحية، وخبرا خارج نشرات الأخبار.


انتظر. فالنتيجة السابقة ليست نهائية إذا أضفنا إليها أن الشعور العام لمن يشاهد أفلام القتل الداعشية المختلفة هو بث الرعب والخوف في نفوس المشاهدين. الخوف يعلم الانسان الكذب والغش والنفاق. يدمر أخلاق المواطنة والسلوك المدني. الخوف يعطل العقل ويشل الارادة ويقتل الحرية. الانسان الخائف لا يفكر، لا يقرر، لا يحاور، يتبع، ينقاد بسهولة للاتجاه الذي يرى فيه بر الامان. هذه النتيجة تروق لداعش وهو المقصود اثباته، ومن خلالها تقام الخلافة – كما يظنون.


بهذه الطريقة استطاع تنظيم "داعش" أن يثبت وجودة في أغلب الدول العربية خلال فترة زمنية قياسية بمساعدة فسطاط جديد بدأ يتشكل من دول لم يتعرض "داعش" لرعاياها هي تركيا وقطر واسرائيل. فالاولى ممر "المجاهدين" الى سوريا والعراق والثانية ممول والثالثة مدرب وصاحب فكرة انتاج التنظيم. وإذا جاز لي أن اذهب إلى أبعد مما هو معلن، فاني أزعم أن جهودا دولية، تتشارك للمساهمة في إعادة تشكيل الشرق الاوسط من جديد، لتأجيل حل القضية الفلسطينية عقودا أخرى، إلى أن يتم ابتداع صيغة ما، لا تجد من يرفضها فلسطينيا ولا عربيا، وفرضها بالقوة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد