رغم أن التفجيرات التي حدثت في غزة تعد إختراقاً أمنياً واضحا لمنظومة حماس الأمنية , وأثبتت أن أمنها ورقياً وهشاً , إلا أن حماس لا زالت تكابر , وتحاول تضليل الرأي العام , وكأن شيئ لم يحدث , أو أن الشيئ الذي حدث لم ينجح , وتم إحباطه , هذه هي رواية حماس الجديدة بعدما فشل فوزي برهوم بتوجيه الإتهام ضد السلطة , وتحديداً جهاز المخابرات الفلسطينية , وذلك لأن الجريمة كشفت نفسها من نفسها , وحددت هويتها ورسالتها , فكان من الأحرى أن حماس تحصن نفسها جيداً من هجمات السلفيين , كي تحمي أبنائها الأبرياء , وأبناء الشعب أيضاً , بدلاً من أن تكابر وتقول أنها أحبطت مخططاً كبيراً كان سيستهدف الشعب في غزة , وذلك على لسان ناطقيها الإعلاميين , وبعض قياداتهم المحترفين في الشعارات والخطابات , وأيضاً بعض الكتاب المروجين لها .

إن رواية حماس الجديدة بأنها أحبطت مخططاً كبيراً كان يهدد أمن المواطنين والفصائل في غزة , رواية مستفزة لدرجة كبيرة , لأنها تنقل المواطن الى مشهد آخر , وهو البطولة الوهمية لها , وتهدف الى إقناع الرأي العام بأن أمنها قوي وعصي على الإختراق , وهنا السؤال : هل فعلاً أمن حماس قوي وعصي على الإختراق , وذلك بالمفهوم الأمني الحقيقي؟ بالطبع لا , لأنه لا يوجد أمن في العالم غير مخترق , ولا يوجد أمن في العالم يستطيع منع الجريمة قبل وقوعها , وما حدث قبل أيام من تفجيرات نفذها السلفيين , دليل واضح على ذلك , بالإضافة الى سلسلة تفجيرات وعمليات نفذها السلفيين قبل ذلك ضد حماس ونجحت , وكون حماس إستطاعت كشف بعضهم وتقديمهم للقضاء , فهذا لا يعني أن حماس إستطاعت أن تحمي نفسها ضد هذه الهجمات من الأصل , ولكن حماس تحاول ومن خلال روايتها الجديدة , أن تطرح المفهوم الأمني من وجهة نظرها الخاصة , فمثلاً : بعدما تقع الجريمة وتحقق أهدافها , تأتي حماس وتقول في وسائل الإعلام أنها أحبطت المخطط والجريمة! .

أما الشق الآخر من رواية التضليل , تقول حماس أنها أحبطت مخططاً يستهدف غزة , ويريد إيقاع الفصائل في مشاكل ونزاعات , وفي الحقيقة أن حماس لا تريد أن تقول للرأي العام أنه يوجد ما يسمى بـــ"مصانع الحداد" بينها وبين السلفيين في غزة , وأن السلفيين قبل ذلك أعلنوا الجهاد ضدها وكفروها , وتريد حماس أيضاً أن توزع من حملها الثقيل على الفصائل والمواطنين , وذلك بما يخص معركتها مع السلفيين , فهي تستخدم مصطلحات من شأنها أن تشرك جميع الأطراف معها في معركتها الخاصة , ومن أشهر هذه المصطلحات "غزة مستهدفة , هناك مؤامرة ضد غزة , غزة قوية بشعبها , هناك مؤامرة ضد المقاومة , الشعب يلتف حولنا , علاقتنا بالفصائل متينة...إلخ" , بهذه الطريقة تريد حماس تعويم خلافها الجوهري مع السلفيين , وتحويلة الى خلاف عام مع الجميع .

لا ننكر أنا حماس أقرب للناس من السلفيين كفكر وعقيدة , وذلك لأنها تمارس العلمانية وتؤمن بالدولة المدنية ومشتقاتها , ورغم أنها تتحدث بإسم الدين كوسيلة للحكم , وتسمي نفسها حركة إسلامية , إلا أن الناس لا يهتمون بالمسميات , لأن الفعل هو الأصل , ورغم هذا التقارب الفكري بين علمانية حماس وحياة الناس , إلا أنه لا يجوز لحماس أن تستخدم روايات التضليل , فمن حق الناس أن يعلمون ما الذي يجري , وما هي حقيقة الصراع , وما هي حيثيات الأحداث , وما هو السبب الجوهري للصراع بين حماس والسلفيين .

محلل سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد