كيف تمت عملية اعتقال صدام حسين ؟
يستذكر العرب والمسلمون في جميع انحاء العالم، في اليوم الأول من عيد الاضحى كل عام، مشهد إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على أيدي القوات الامريكية المحتلة للعراق.
وتولى صدام حسين رئاسة الجمهورية العراقية عام 1979 كخامس رؤساء البلاد، واستر في منصبه حتى عام 2003، حيث عثرت عليه قوات التحالف الامريكية والبريطانية، مختبئا واعتقلته في عملية الفجر الأحمر.
واعتقل الرئيس العراقي الذي ظل يترأس العراق 24 عاما، في مساء السبت 13 ديسمبر 2003، بعد ان كان يختبئ في حفرة عميقة داخل مزرعة في منطقة الدور بمحافظة تكريت وظهر صدام خلال القبض عليه وحيدا بلحية كثيفة وشعر غزير.
خبأت القوات الأمريكية صدام حسين في مخبأ سري، حتى قررت تحويله إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واستمرت اجراءات محاكمته عدة سنوات حتى صدر قرار اعدامه شنقا في 30 ديسمبر 2006 صبيحة أول أيام عيد الأضحى المبارك.
وحول تفاصيل عملية الاعتقال يقول الكولونيل جيمس هيكي، من الفرقة الرابعة التي ألقت القبض على صدام، إن القوة التي يقودها ظلت تشن حملات مداهمة داخل وحول مدينة تكريت طوال ثمانية شهور سعيا للعثور على أعضاء بارزين في النظام السابق وإنهاء الهجمات ضد قوات التحالف. وفق "المصري اليوم"
وأضاف الكولونيل هيكي «43 سنة»، خلال مؤتمر أعقب عملية القبض على الرئيس العراقي، إن «صدام أنقذ نفسه من موت محقق باستسلامه السريع، ذلك أن القوة التي جاءت للبحث عنه كانت على وشك إلقاء قنبلة يدوية داخل الحفرة التي كان مختبئا داخلها، مشيرا إلى أن صدام سارع بالتحدث بالإنجليزية قائلا: أنا رئيس العراق وأريد التفاوض».
وقال أفراد القوات الذين كانوا مكلفين بتأمين المنطقة خلال المؤتمر إنهم تفاجأوا عندما وجدوا الرئيس العراقي السابق الذي شيد لنفسه قصورا فخمة أرضياتها من الرخام لينتهي في هذا الكوخ شبه المهجور، وهو لا يملك سوى بضع مقتنيات، ومن دون أي وسائل اتصال ولا أنابيب مياه أو نظام تصريف.
وأوضح هيكي أن المعلومات الحاسمة التي أدت إلى إلقاء القبض على صدام ربما لم تساعد على اعتقاله قبل بضعة أشهر، «فهذه المرة كانت القوات الأمريكية جاهزة لاعتقاله إثر تراكم وتطور المعارف والمهارات على مدى الشهور التي شهدت عمليات البحث عن صدام حسين ومؤيديه».
وقال إن عملية مداهمة نُفذت في تكريت هي التي ساعدت في توفير المعلومات التي أشارت إلى «الرجل البدين» كما يشير ليه هيكي، كعنصر أساسي وراء اختفاء صدام حسين.
وقال إن «الرجل البدين»، من دون أن يذكر اسمه من ملاك الأراضي الأثرياء وعضو في أسرة سنية يعتقد أنها وراء توفير الحماية لصدام حسين.
وتشكل مدينة تكريت والمناطق المحيطة بها بالإضافة إلى قرية الدور، التي عثر على صدام مختبئا في احدى مزارعها، جزءا من المثلث السني الذي شهدت فيه القوات الأمريكية أكثر مقاومة منذ سقوط نظام الرئيس صدام
لم يكن العثور على صدام حسين أمرا سهلا، فالمشكلة الكبرى هي أن القوات الأمريكية لم تكن تفهم جيدا طبيعة وتركيبة العلاقات الأسرية والعشائرية المتشابكة في المنطقة التي يتحدر منها صدام، فقد كانت هذه القوات في حاجة لى استبعاد الأشخاص غير المتورطين في مساعدة الرئيس العراقي الراحل.
صبيحة يوم اعتقال صدام علم الكولونيل هيكي عبر مكالمة هاتفية باعتقال «الرجل البدين» فطلب إرساله جوا إلى رئاسة لواء المشاة في تكريت، حيث تعرض لاحقًا إلى عملية استجواب مطولة ومركزة، لافتا إلى أن المعلومات التي أدلى بها أشارت إلى اختباء صدام في منطقة شمال أو غرب تكريت باتجاه الصحراء، وبالفعل بدأ هيكي بإعداد الفرقة اللازمة لتنفيذ المهمة.
وكشف الرجل الذي قال هيكي إنه صار أكثر تعاونا، عن وجود صدام في موقع يقع على بعد 10 أميال جنوب تكريت، وكان يشير إلى مزرعة في قرية الدور القريبة من المكان الذي فر منه صدام، عندما كان شابًا، على ظهر حصان إلى سوريا عام 1959.
وأشار هيكي إلى أنه في حوالي الساعة الخامسة من بعد ظهر السبت تم وضع «تقديرات استخباراتية» حول المكان بعد فحص صور التقطتها الأقمار الصناعية، وباستخدام مهارات اكتسبها الجنود من خلال مئات الغارات التي شنوها قبل العملية، بما فيها عشر غارات على الأقل نفذت خصيصًا للقبض على صدام، وضع الجنود خطة حول كيفية شن الهجوم، حسبما ذكر هيكي.
وأضاف «لقد تم ذلك بسرعة وبشكل غير تقليدي ومباشرة بعد إعداد الخطة، لقد توقعنا بعض القتال هنا (في المزرعة) وكنا على استعداد لكسب المعركة بسرعة وبطريقة حاسمة»، وانتشرت قوة قوامها 600 جندي عبر المنطقة بسرعة، لكن مخبأ صدام حسين كان النموذج المثالي لإحباط جيش متقدم تكنولوجيا، فقد كانت الحفرة مغطاة ببساط إسفنجي مضغوط وقطع ملابس وأتربة لإخفاء المدخل».
وصل الجنود إلى المنزل المهجور، لكنهم لم يجدوا أحدًا، وفجأة لاحظ جندي، لم يكشف عن هويته بعد، وجود خيط مثير للشبهة يعتقد أنه كان كان متصلًا بالحفرة بهدف توفير الإضاءة أو التهوية، الأمر الذي دفع الجنود لإزالة البساط والأتربة واكتشاف مدخل الحفرة.
كان الجنود مستعدين لإلقاء قنبلة يدوية في الحفرة إلا أن الرجل الملتحي سارع برفع يده وساعده الجنود على الصعود، عندها قال لهم بالإنجليزية: «أنا صدام حسين، أنا رئيس العراق، وإنني على استعداد للتفاوض»، حسبما أفاد الميجور بريان ريد، 36 سنة، ضابط العمليات في اللواء الأول.
حدثت تلك المواجهة الساعة الثامنة والربع، وبحلول الثامنة والنصف كان الجنود قد تأكدوا أنهم اعتقلوا الرجل المطلوب، فقد تطابقت الصفات الشخصية للرجل المعتقل مع المعلومات التي أبلغوا بشأنها حول المميزات الشخصية للرئيس العراقي السابق، نُقل صدام حسين إلى حقل مفتوح، ويداه مقيدتان بقيود بلاستيكية قبل أن تهبط طائرة هليكوبتر وتنقله إلى موقع عسكري في تكريت.
شعر الكولونيل هيكي وأعضاء اللواء الأول بسعادة لإلقائهم القبض على صدام، وقال السيرجنت لورانس ويلسون إنه بعد التأكد من هوية المعتقل، قال للكولونيل هيكي إنه ليس مهمًا أن اللواء الأول هو الذي ألقى القبض على صدام، لكن هيكي أمسك به من رقبته وقال: «لكن من المؤكد أن الأمر لطيف أننا نحن الذين فعلنا ذلك».
صُدمت القوات الأمريكية عندما شاهدت المكان الذي كان يقيم فيه صدام، إذ كان من السهل جدًا عدم اكتشاف المخبأ؛ فبيوت المزرعة إلى جوار بستان البرتقال تبدو مثل مئات المزارع المنتشرة في وسط العراق، وقد قضى صدام بعض الوقت في الكوخ الطيني ذي السقف المعدني وذي منطقة الطهي الخارجية.
يحتوي الكوخ على غرفة نوم بها سريران، وقد عثرت القوات الأمريكية في تلك الغرفة على 750 ألف دولار من فئة المائة دولار، كما وجدت ملابس وكتبًا وإطارات صور وكيسين بهما ملابس داخلية وجوارب من طراز لانفين، منتشرة في أنحاء الغرفة
كانت منطقة الطهي الخارجية التي يغطيها سقف من الصفيح، في حالة فوضى، وعثر الجنود ايضًا على شوكولاته «مارس» و6 علب من المواد المضادة للحشرات ومعلبات لحوم وفاكهة مثل الموز والتفاح واليوسفي والكيوي، وفوق باب غرفة النوم مكتوب البسملة «بسم الله الرحمن الرحيم».
وقال ويلسون: «ليس هناك ما يمكن رؤيته، أعتقد أنه أصبح شهيرا»، وواضح أن الحفرة التي عثر على صدام فيها كانت تستخدم للطوارئ فقط، وقال الميجور جيمس هاول، الذي كان من بين الجنود الذين كلفوا توفير غطاء للجنود المتقدمين: «أعتقد أنه كان على استعداد لتسليم نفسه ومواجهة محاكمة بدلا من الحياة في حفرة».
والرئيس العراقي هو صدام حسين عبدالمجيد التكريتي، ينتمي إلى عشيرة البيجات، سطع نجمه إبان الثورة التي قادها حزب البعث في 17 يوليو 1968، لتبني أفكار القومية العربية والتحضر الاقتصادي والاشتراكي.