أثارت قضية تعيين د. يحيى السراج رئيساً لبلدية غزة حالة من الجدل الواسع بين الأوساط السياسية والمجتمعية ، علماً بأن د. السراج شخصية اعتبارية مشهود لها بالكفاءة المهنية ، ولذلك فقد كان الانتقاد يرتكز على الأسلوب والطريقة التي جرى بها هذا التعيين وكأنه تم بطريقة انتخابية وذلك بناءً على لقاء ( البيت المفتوح) الذي نظمته البلدية في مركز رشاد الشوا الثقافي والذي تم دعوة له ممثلين عن قطاعات اجتماعية مختلفة.

لقد جددت هذه القضية النقاش حول حالة قطاع غزة بما يتعلق بالانتخابات ليس فقط بالبلديات وكذلك بمجالس الطلبة والعديد من الهيئات التمثيلية الاخرى حيث لا تجري الانتخابات بها منذ احداث الانقسام عام 2007 وحتى الآن.

وإذا كان هناك توافق بين مكونات الحركة الوطنية وفق اتفاقات القاهرة بضرورة اجراء الانتخابات العامة لكل من الرئاسة والمجلس التشريعي والوطني ، وإذا كان من المتعذر اجراء هذه الانتخابات بسبب استمرار حالة الانقسام والاحتقان والتراشق الاعلامي واجواء عدم الثقة بين الحزبين الكبيرين ، فإنه بالضرورة ان يتم التوافق على اجراء الانتخابات ما دون المستوى    السياسي أي للبلديات ومجالس الطلبة والنقابات العمالية والمهنية والاطر التمثيلية الأخرى.

رغم ملاحظات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان على التدخل الثقيل بالضفة الغربية من قبل السلطة بما يتعلق بالانتخابات التي تتم بالعديد من الهيئات ، ورغم المخاطر الماثلة التي يتعرض لها المعارضون أو المنافسون في العملية الانتخابية إلا أن هذه الانتخابات تتم وذلك بالرغم من هذه الملاحظات وغيرها كما يتم الاقرار بنتائجها.

تجدر الإشارة إلى أن الاحزاب السياسية بما في ذلك حركة حماس وغيرها من الفصائل تجري انتخاباتها الداخلية بالقطاع إلا أن جماهير القطاعات بفئاته وشرائحه الاجتماعية المختلفة محرومة من هذا الحق المكفول قانونياً.

أقرت المجتمعات الحية بالانتخابات كوسيلة وحيدة للتداول السلمي للسلطة ولتجديد الشرعيات وتدوير النخب وتعزيز المشاركة واعطاء المجال للأجيال الصاعدة لتبوء المراكز القيادية وكوسيلة ايضاً للمسائلة والمحاسبة، علماً بأنه لم يتم اعتماد لاختيار الممثلين وسيلة اخرى سوى صندوق الاقتراع.

من المعروف أن الانتخابات مبنية على فكرة المواطنة المتساوية والمتكافئة فهي تعطي لجميع المواطنين الحق بالترشيح والتصويت بغض النظر عن الدين ، الجنس ، اللغة ، العرق ، الأصل الاجتماعي في تجاوز للآليات التي كانت تتم في بلدان أوروبا وبعض بلدان العالم إبان القرون الوسطى حيث كانت نخبة النبلاء تختار الملك أو الأمير أو المسؤول عن مهمات أو قطاعات محددة بالمجتمع والدولة.

لقد أصبحت الانتخابات حق لكل مواطن في تقدم نوعي عن ما كان يحصل في اثنيا ابان الحضارة اليونانية القديمة، حيث كان يحرم كل من النساء والعبيد ويتم اعتماد (الصفوة) لممارسة الحق الانتخابي.

وعليه فقد بات مطلوباً العمل الجاد باتجاه إجراء الانتخابات لكل الهيئات والبنى والمؤسسات التمثيلية الفلسطينية في قطاع غزة وذلك بغض النظر عن حالة الانقسام ومن اجل اخراجه من حالة الجمود الانتخابي.

هناك أجيال صاعدة لم تعرف ماهية الانتخابات ولم تشاهد صندوق الاقتراع ولم تتعرف على هذه الثقافة ،وبالتالي فهي حرمت من الحق بالمشاركة والتمثيل والاختيار الأمر الذي سيعمق حالة الإحباط بين اوساط هذه الأجيال، وسيؤدي إلى انكفائها عن المشاركة بالحياة السياسية والمجتمعية.

إن العمل على إجراء الانتخابات بالقطاع وتجاوز الحالة الراهنة سيشكل مصدراً للتفاعل الإيجابي بين كافة الفعاليات السياسية والمجتمعية وسيعيد الحيوية في بنى المجتمع وذلك على طرق ضمان خدمات  وحقوق أفضل لكافة الفئات الاجتماعية وذلك عبر بنى مؤسسية ديمقراطية ورشيدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد