قبل أن يعلن الرئيس محمود عباس قرار القيادة الفلسطينية بوقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وتشكيل لجنة آليات تنفيذ هذا القرار، كانت الحكومة الفلسطينية قد مهّدت لصدور هذا القرار بخطوات جدية لوضعه موضع التنفيذ، ففي لقائه مع سفراء وقناصل وممثلي الاتحاد الأوروبي، قال رئيس الوزراء محمد اشتية إن تقسيمات المناطق (أ) و(ب) و(ج) التي تم الاتفاق عليها مع إسرائيل لم تعد موجودة، لأن إسرائيل لم تعد تحترمها وخرقتها بشكل واضح وعملي، مشيراً إلى أن الحكومة عكفت على وضع عدة حلول لمواجهة الأزمة المالية الناجمة عن الحرب الاقتصادية التي تشنها إسرائيل على السلطة الوطنية، من خلال إصدار سندات حكومية وتفعيل شبكة الأمان العربية والاقتراض من البنوك المحلية، مشيراً إلى أن هذه الحلول ما هي إلاّ معالجة جزئية إلى حين إفراج إسرائيل عن أموالنا المحتجزة لديها.


وفي سياق الانفكاك التدريجي عن الاحتلال، أثمرت زيارة رئيس الحكومة اشتية إلى العراق الشقيق عن جملة من الاتفاقات ذات الطابع الاقتصادي لجهة تأسيس شركات مشتركة بين القطاعين الخاص والعام في البلدين، واتفاقات ثنائية تشمل الاستيراد والتصدير والاستثمار والزراعة والطاقة والتعاون في مجال البنوك، وباعتبار أن هذه الزيارة إلى بغداد كبداية لحراك حكومي فلسطيني في سياق خطة للتواصل مع الأشقاء العرب، فإن إحدى مهمات وموجبات هذه الجولات تتعلق مباشرة بالاستراتيجية التي وضعتها حكومة اشتية للانفكاك التدريجي مع الاحتلال.


حتى الآن، لم يعلن عن تشكيل اللجنة المكلفة وضع آليات تنفيذ هذا القرار، وكما نظن، فإن مثل هذه اللجنة تم تشكيلها أكثر من مرة، فقد تم اتخاذ قرارات من قبل المجلس الوطني ودورات متعاقبة للمجلس المركزي، كان يفترض أن تشكل لجاناً متعاقبة لوضع آليات لتلك القرارات المتخذة، وحينها، فإن الأمر لا يستدعي تشكيل لجنة جديدة بهذا الشأن، إلاّ إذا كانت القرارات التي سبق وأن اتخذت، لم تكن تحظى بالجدّية المطلوبة، مع ذلك يمكن القول إن هذه المرة وفي سياق دوافع اتخاذ هذا القرار، فإن الأمر يكتسب جدّية هامة، وذلك بالنظر إلى أن القرارات السابقة كانت تتخذ من المؤسسة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، المجلس الوطني، والمجلس المركزي، إلاّ أنها هذه المرة، صدرت عن المؤسسة التنفيذية، الرئيس والقيادة الفلسطينية.


في نهاية تشرين الاول الماضي، كان المجلس المركزي قد اتخذ قراراً "بإنهاء" التزامات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية كافة تجاه اتفاقياتها مع سلطة الاحتلال، لذلك يمكن ملاحظة تعبير "وقف" بدلاً من "انهاء"، باعتبار المصطلح الأوّل لا يلغي ولا ينهي هذه الالتزامات، بل "يجمّدها" وبحيث يمكن العودة عنها، ولكن بين التجميد والإلغاء، تكمن آليات تنفيذ هذا القرار، والتي تتطلب وقتاً، والأهمّ من ذلك، تتطلب موقفاً فلسطينياً موحداً، لا يكفي الترحيب بالقرار بل بتحمّل مسؤولية اتخاذه ووضعه موضع التنفيذ، والجميع بات يدرك كيف يمكن تحقيق ذلك!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد