لكأنها ترد بالأعمال، على ما خرجت به منظمة التعاون الإسلامي، التي اجتمع ممثلوها على مستوى وزراء الخارجية، الذين انتصروا للقدس بكلام مكرور لا جديد فيه.
مهندسو الجيش الإسرائيلي محمّلين بالمتفجرات، ومصحوبين بكثير من الجنود المدجّجين، والكثير من آليات الدمار، خرجوا في عتمة الليل، ليحققوا انتصاراً على بيوت الفلسطينيين الآمنين في واد الحمص.


في زمن لم تعد فيه ثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي، المدجّج بالأسلحة، ووسائل التكنولوجيا، ويستند إلى مخزون نووي محمي بالولايات المتحدة، وتواطؤ بقية المجموعة الدولية، في هذا الزمن الذي لا يحلم أحفاد العصابات الصهيونية، بأن يتكرر انتصاره كما وقع عام 1967، يصبح تدمير سبعين وحدة سكنية فلسطينية وتشريد أهلها انتصاراً، يستحق الإشادة به.


لقد ولّى الزمن الذي يستطيع فيه الجيش الإسرائيلي شن حروب مدمّرة ومباغتة على أراضي الغير، دون أن تكون جبهته الداخلية تنعم بالهدوء والاستقرار، لذلك باتت الانتصارات الصغيرة، ولكن الخطيرة وذات الأبعاد الاستراتيجية، التي تحقق الإنجاز بالنقاط، هي السبيل. يتزامن انتصار العنصرية التطهيرية الإسرائيلية بحق سكان وادي الحمص مع حضور وفد متسلل من الكتّاب والصحافيين العرب المغمورين في زيارة تطبيعية لإسرائيل. يتبجّح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتحقيق إنجاز آخر، لا أعتقد أنه يساوي شيئاً في ميزان بحثه عن تحقيق الفوز في الانتخابات القادمة.


يقول نتنياهو، وقد فشلت محاولاته الظهور بمظهر المنتصر الذي يخفي خيبة أمل، إزاء مستقبله السياسي، بأن إسرائيل نجحت في إقناع تلك الثلة من الكتّاب والصحافيين العرب، من بلدان لا تقيم علاقات سياسية ودبلوماسية مع بلدانهم، وأن هؤلاء أظهروا رغبة شعورهم في زيارة إسرائيل وإقامة علاقات معها.


من حق نتنياهو أن يغتبط، ذلك أنه وأسلافه لم يعودوا يحلمون بإمكانية اختراق المجتمعات العربية، حتى التي وقّعت دولهم، اتفاقيات سلام، قبل عقود طويلة.


لا خوف إذاً من أن يشكل وصول عدد محدود من الكتّاب والصحافيين إلى إسرائيل، خطراً على ثقافة الشعوب العربية، التي لا ترى في الدولة العبرية سوى عدو بشع. يمكن لإسرائيل أن تقيم علاقات مع بعض الأنظمة العربية، ولكن مثل هذه العلاقات بكل ما تنطوي عليه لا تشكل انهياراً لجدار الرفض الشعبي العربي، لا بل أن تلك الأنظمة المهرولة باتجاه التطبيع، تخشى من ردود فعل شعبية غاضبة، ستطيح يوماً بهؤلاء.


قرار الجماهير العربية بيد الفلسطينيين، حين يتعلق الأمر بإسرائيل ودورها، والعلاقة معها، فهي وإن بدا التراجع كبيراً على جبهة حركة التحرر العربية، إلاّ أنها معبّأة حتى العظم، بالحقوق العربية والفلسطينية.


هل يلاحظ هؤلاء المهرولون كيف تهتف الجماهير المصرية والعربية لفلسطين، وضد إسرائيل في الملاعب الرياضية، أثناء مباريات بطولة الأمم الأفريقية؟


وهل يلاحظ هؤلاء، كيف يهدي وزير الرياضة والفريق الجزائري فوزهم لفلسطين؟


هل يمكن إذاً أن نستغرب وجود طابور خامس محدود الكمّ والكيف بين أكثر من أربعمائة مليون عربي، وبعض هؤلاء يعيشون في بلاد الغرب، ويصيغون أدوارهم الصغيرة بناءً لمصالحهم الذاتية. إن بعض حجارة الوادي الكبير لا يمكن أن توقف تدفق شلالات المياه العربية. ولكن وبالرغم من تواضع هذه الظواهر، التي تحتفل بها إسرائيل، إلاّ أن الواجب الوطني والقومي يقتضي، عدم تجاهل الآثار ولو البسيطة والمحدودة التي تنتج عن ذلك.


إسرائيل، محمية، من قبل الولايات المتحدة الأميركية، تستعجل توظيف كل إمكانياتها، لتسريع عملية تطهير الوجود الفلسطيني البشري والحجري والثقافي، والتاريخي في القدس .
لم تتوقف إسرائيل عن استخدام قانونها العنصري لتفجير وهدم بيوت الفلسطينيين وممتلكاتهم في القدس، ولم تتوقف عن استخدام كل وسائل الضغط من أجل إرغام أهل القدس على مغادرتها، واستقدام المستوطنين، عَبر تقديم الكثير من الإغراءات لهم.


على أن تدمير بيوت الفلسطينيين في وادي الحمص بصور باهر ينطوي على مؤشرات خطيرة، بالنسبة لما تفكر إسرائيل بالقيام به في لاحق الأيام.


هذه المنطقة مصنّفة على أنها من مناطق (أ)، بناء على اتفاق أوسلو، الأمر الذي يعني بأن إسرائيل لا تكتفي بالتفكير في استثمار التشجيع الأميركي لمصادرة أراضي المستوطنات، أو الأراضي المصنفة (ج).


هذا يعني أن أطماع إسرائيل التوسعية، تستهدف كل الأرض الفلسطينية وإن كانت ستنفذ ذلك على مراحل، للتخلص من الكثافة السكانية، التي ينبغي في أحسن الأحوال أن تتحول إلى جماعات لا حقوق سياسية لها. كان من المتوقع كما في معظم المرات، أن نقرأ  ونسمع إدانات وشجباً وتحذيرات، ومطالبات لإسرائيل بالتوقف من قبل أطراف دولية وإقليمية وعربية كثيرة، لكن قادة إسرائيل لا يعرفون إلاّ اللغة العبرية، طالما أن كل تلك التصريحات وقبلها كل قرارات الأمم المتحدة، لا تحرك حجراً في وجه إسرائيل.


إذاً على الفلسطينيين أن يحركوا حجراً وإلاّ كانوا هم، أيضاً، كما الآخرين مجرد أصوات تتبدّد في واد سحيق. وإن كان لدى الفلسطينيين أنواع وأحجام كثيرة من الحجارة فإن الحجر الأكبر والأهم والأقوى والأقدر على إسماع الصوت، هو استعادة الوحدة الوطنية، أم أن عقولهم مشوشة وأيديهم لا تزال مرتجفة؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد