مركز حقوقي يدين حل مجلس القضاء الأعلى

مجلس القضاء الاعلى

أدان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، حل مجلس القضاء الأعلى من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، معتبراً أن هذه الخطوة تدخلاً سافراً في شؤون القضاء ومس صريح وواضح باستقلاله شكلاً وموضوعاً، وهو يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، المنصوص عليهما بموجب الأساسي الفلسطيني لسنة 2003.

وأكد المركز، وفق ما وصل "سوا"، بأن حل المجلس يمس بمصالح القضاة الشخصية والوظيفية وسمعتهم بصورة فجة، وهي تؤكد على غياب الإرادة السياسية للإصلاح الحقيقي للقضاء.

وفيما يلي نص البيان:

أصدر الرئيس الفلسطيني قرارين بقانون بتاريخ 15 يوليو 2019، أحدهما بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، ويقرر حل مجلس القضاء الأعلى وتعيين مجلس انتقالي، والآخر بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، ويقرر خفض سن التقاعد للقضاة إلى 60 عاماً.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يدين حل مجلس القضاء الأعلى من قبل الرئيس الفلسطيني، ويعتبر هذه الخطوة تدخلاً سافراً في شؤون القضاء ومس صريح وواضح باستقلاله شكلاً وموضوعاً، وهو يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، المنصوص عليهما بموجب الأساسي الفلسطيني لسنة 2003، حيث تنص المادة (98) منه على: "القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة."

وفي تعليق لمدير المركز الفلسطيني، راجي الصوارني، على قرار حل المجلس الأعلى، قال: "إن هذه الخطوة ليست مساً فقط باستقلال القضاء الآن وفي المستقبل، بل تمس بأشخاص القضاة ومصالحهم الشخصية والوظيفية وسمعتهم بصورة فجة، وهي تؤكد على غياب الإرادة السياسية للإصلاح الحقيقي للقضاء. إن السؤال الذي يطرح نفسه بعد حل السلطتين التشريعية والقضائية، ماذا تبقى من النظام السياسي الفلسطيني غير سلطة الرئيس-الفرد وانتهاء دور المؤسسة."

وبالرغم مما أشار إليه القراران من أنهما نتاج لتوصيات اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة، فإن المركز يذكر بأن اللجنة في ذاتها كانت محل انتقاد من القضاة، وأن نادي القضاة قد سبق وأن أصدر بياناً اعترض فيه على عمل اللجنة وتوصياتها، حيث أكد نادي القضاة في حينه رفضه لتوصيات اللجنة، واعتبرها تدخلاً في شؤون القضاء وتعد على استقلاليته. وساندت مؤسسات حقوق الإنسان توجهات نادي القضاة في حينه، باعتباره أحد المؤسسات المعبرة عن مصلحة وتوجهات القضاء.

كما أن اللجنة أغفلت النظر عن الأسباب الحقيقة لضعف القضاء الفلسطيني، وهو تغول السلطة التنفيذية على القضائية، والذي كشفت عنه أكثر من حادثة، كان أبرزها الإطاحة برئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، سامي صرصور، والذي أقر بخضوعه للابتزاز قبيل توليه منصبه كرئيس لمجلس القضاء الأعلى، حيث أجبر على توقيع استقالة استباقية، تم إبرازها عندما أرادت السلطة التنفيذية إقصائه في حينه، وقد أدان المركز بشدة هذه الخطوة واعتبرها تقويضاً كاملاً لاستقلالية السلطة القضائية.

وبالنظر إلى توصيات اللجنة والقرارين الرئاسيين نجدهما قد تجاهلا إشكالية استقلال المحكمة الدستورية العليا، والاعتراضات والانتقادات التي وجهت لها، فيما يتعلق بعدم حلف أعضائها اليمين في حضور رئيس المجلس التشريعي، وتشكيلها في ظل الانقسام من لون سياسي واحد.

من هذا الموقف، ما كشف عنه سلوك المحكمة الدستورية منذ تأسيسها من توجه كامل لتعزيز صلاحيات الرئيس، والذي تمثل في إعطائه صلاحيات رفع الحصانة البرلمانية بتاريخ 6 نوفمبر 2016، وحل المجلس التشريعي نفسه بتواطؤ مع الرئيس الفلسطيني بتاريخ 12 ديسمبر 2018. وهذا يكشف عن أن التوجه هو السيطرة على باقي أروقة القضاء، وجعلها بشكل كامل تحت سيطرة الرئيس الفلسطيني مثلما هو الحال مع المحكمة الدستورية.

ويذكر المركز بأنه بادر إلى حماية استقلال السلطة القضائية في العام 2005 عندما قام بالطعن في قانون السلطة القضائية لسنة 2005، والذي هدف إلى تعزيز صلاحيات وزارة العدل على حساب مجلس القضاء الأعلى، وذلك في بداية عهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقد قررت المحكمة العليا بصفتها الدستورية في حينه إسقاط القانون الجديد، والإبقاء على قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، لتكرس بذلك مبدأي ضرورة التشاور مع السلطة القضائية قبل سن أي قانون يتعلق بها وعدم التدخل في شؤون السلطة القضائية.

والواقعة سابقة الذكر تعكس توجهات مبكرة للسلطة التنفيذية للسيطرة على القضاء، ويفند المزاعم المتداولة بأن القراران الأخيران جزءاً من عملية إصلاح.

وتأتي هذه الخطوة في ظل سيطرة الرئيس الفلسطيني على سلطة التشريع بعد ما تم تغييب المجلس التشريعي، ومن ثم حله، وبدلاً من أن يكون التوجه إلى إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، نجد أن التوجه هو تعزيز الانقسام من خلال سن المزيد من التشريعات التي لا تطبق في قطاع غزة ، وتعزيز صلاحيات مؤسسة الرئاسية، وكأنها أصبحت بديل أبدي عن السلطات الثلاث، وذلك بمساعدة المحكمة الدستورية، التي تشي قراراتها بأنها مجرد منفذ ومشرعن لسياسات السلطة التنفيذية.

كما ويأتي هذان القراران بعد بضعة شهور من حل المجلس التشريعي الفلسطيني، استناداً إلى قرار المحكمة الدستورية الفلسطينية المثير للجدل من حيث قصور التسبيب ومدى شرعية المحكمة ذاتها، والذي اعتبره المركز في حينه قرار سياسي بامتياز، وأدان موقف المحكمة الدستورية، والتي تجاوزت صلاحياتها وتغولت على السلطة التشريعية بتواطؤ واضح مع السلطة التنفيذية. كما أنها خالفت قرار سابق لها يؤكد على استمرار ولاية المجلس التشريعي. وبالتالي، يرى المركز أن الخطوة الجديدة تأتي ضمن سياسة ومنهجية للسيطرة على السلطات الثلاث، والتفرد بالحكم.

إن الادعاء بأن مشكلة القضاء الفلسطيني تتمثل في القوانين السارية أو في أشخاص القضاة، هو تجني على الحقيقة، ومحاولة للسيطرة على القضاء من مدخل الإصلاح. ويرى المركز أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بوقف تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وعدم التدخل في شؤون العدالة، وأن المشكلة لم تكن أبداً في قانون السلطة القضائية، ولذا يطالب المركز الرئيس الفلسطيني بالتراجع عن قراراته.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد