إن الجرائم التي اقترفتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، كثيرة وكثيرة جداً، وان غياب ما يُسمى في عالم اليوم، بالعدالة الدولية، في ملاحقة الاحتلال ومحاكمة عناصره على ما اقترفوه، شجّع اسرائيل كقوة احتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين وتعزيز ثقافة "الافلات من العقاب" لدى كل الإسرائيليين. هذه هي الحقيقة المرّة.

وجريمة اليوم هي واحدة من تلك الجرائم التي شارك في تنفيذها أولئك الحقوقيين الذين يدعون القانون. لذا فالقضية تستدعي تدخل رجال القانون في فلسطين ومؤسسات حقوق الإنسان في الوطن العربي ودعاة الديمقراطية والعدالة القضائية وضمان المحاكمات العادلة في العالم أجمع. فكل هؤلاء مطالبون بإبداء موقف واضح، وكلمة جريئة، وصرخة صادحة لإيقاظ الضمير الإنساني، واتخاذ خطوة الى الأمام. فلم يعد الصمت مقبولاً، وحتى الكلمة لم تعد كافية الآن أمام قضاء اسرائيلي قوامه الظلم، قضاء هو الأكثر قهراً في العالم وانحدارا بانحيازه لجانب الجلاد ضد الضحايا، والأقل احتراما لحقوق الإنسان. فالحق الذي لا يستند إلى قوة تحميه فهو باطل في شرع السياسة والقانون.

ان نحو مليون فلسطيني، ذكوراً واناثاً، تعرضوا لتجربة الاعتقال وذاقوا مرارة السجن وقساوة الاسرائيلي، وأن مئات الآلاف منهم، صغاراً وكباراً، مرّوا خلال فترات سجنهم على المحاكم العسكرية الإسرائيلية، لمرة واحدة أو لمرات عدة، وحوكموا فيها ظلماً وبهتاناً. لكني لم أسمع أو أقرأ أن أحداً من هؤلاء المعتقلين الفلسطينيين قد قُدم للمحاكمة مثل هذا الفلسطيني "محمد الحلبي"، المعتقل منذ ثلاث سنوات ونيف، والذي قدم اليوم للمحاكمة في "بئر السبع" للمرة (124) دون اعتراف بالتهم المنسوبة اليه. وتم تأجيلها الى الثامن من سبتمبر القادم، لتكن المحاكمة رقم (١٢٥) وهي المحاكمة الأطول في سجل تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة من حيث عدد مرات المحاكمات. ولربما تكون هي كذلك على مستوى العالم. وهل من قضاء في العالم أكثر ظلماً وانتهاكاً لحقوق الإنسان من محاكم الاحتلال وقهرها.؟

ففي الخامس عشر من حزيران/يونيو عام 2016، وخلال تنقله عبر معبر بيت حانون/ايرز (شمال قطاع غزة )، اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وزجت به في زنازين سجونها المعتمة، ومارست بحقه أبشع انواع التعذيب، في إطار استهدافها المتعمد للمؤسسات الدولية التي تُعنى بالشؤون الإنسانية للمواطنين في قطاع غزة، بغرض انتزاع اعتراف منه يدينه بالتهم الموجهة له بتمويل منظمات واشخاص يتبعون لحركة " حماس " عبر المؤسسة التي يديرها،  حيث كان يعمل المهندس محمد الحلبي(41 عاما) مديراً لمؤسسة الرؤية العالمية الأمريكية Worldvision في قطاع غزة، وهي متخصصة في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية.

اتهام ظالم وجائر، يندرج في إطار استهداف المؤسسات الدولية التي تتبنى مشاريع انسانية في قطاع غزة وملاحقتها والضغط على الدول الممولة لها، في ظل استمرار الحصار المضروب على القطاع، بهدف اغلاقها وايقاف عملها، أو على الأقل تحييدها وحرف بوصلتها وتغيير اهتماماتها، واستمرار وجودها وفقا لشروط الاحتلال.

محمد الحلبي اسير فلسطيني يبلغ من العمر واحد وأربعين عاماً، ويسكن مع أسرته في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وحاصل على شهادة ماجستير هندسة مدنية، ومتزوج ولديه خمسة أبناء هم: خليل14عاما، عاصم13عاما، عمرو10أعوام، رتال6أعوام وأصغرهم "فارس" الذي يبلغ من العمر أربعة أعوام. ومعتقل منذ ثلاث سنوات ونيفن ويقبع الآن في سجن "ريمون" افسرائيلي في صحراء النقب.

ومنذ اعتقاله قبل ثلاث سنوات ونيف، تعرض المعتقل (محمد الحلبي) لأشكال مختلفة من التعذيب، الجسدي والنفسي، وما زالت سلطات الاحتلال تتعمد تعذيبه وايذائه، بدءا بالاعتقال و وسوء ظروف الاحتجاز وصعوبة المعاملة، مروراً بمشقة التنقلات وقسوتها من وإلى المحكمة العسكرية عبر ما تُسمى "البوسطة"، وليس إنتهاءً بحرمانه من رؤية والده وزوجته والعديد من أفراد أسرته جراء منعهم من زيارته بذريعة "المنع الأمني.

وفي الختام لابد من الاشارة الى تعرضه للضغط والتهديد والابتزاز، في محاولة اسرائيلية لتثبيت الرواية "الكاذبة"، وأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تساومه بأن يقدم اعترافا بـ "الذنب" ويوقع على روايتها ثمناً لحريته المقيدة.   

 وتستمر فصول المحاكمة. محاكمة "القرن". ليس للمعتقل "الحلبي" فقط، أو للمؤسسات الدولية التي تنفذ مشاريع انسانية في قطاع غزة فحسب، وانما لكل إنسان حُر يقدم المساعدة والدعم الإنساني لأهل غزة المحاصرين. لذا فالدفاع عنه والضغط من أجل الافراج عن المعتقل (م.محمد الحلبي)، ليس واجبا فقط، وانما ضرورة مهمة لفضح الممارسات الإسرائيلية وظلم القضاء الإسرائيلي، والدفاع عن أبجديات حقوق الإنسان والعمل الإنساني في قطاع غزة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد