بعد أقل من عشرين يوماً على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية العام 1967، جنّدت الدولة العبرية فرقاً من الأكاديميين بهدف وضع خطط تهدف إلى: تشجيع الفلسطينيين في الضفة والقطاع على الهجرة من الأراضي التي احتلتها مؤخراً، وكذلك التأكد من أن الفلسطينيين لن يقاوموا الاحتلال، هذه الفرق التي أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين ليفي أشكول بتأسيسها، ضمّت عالم الاجتماع البارز شيمويل نوح ايزنشتادت والاقتصادي مايكل برونو والعالم الديمغرافي روبرتو ياكي وعالم الرياضيات ارييه نعور تزكي، وتم إيفادهم إلى مخيمات اللاجئين في الضفة والقطاع تحت عنوان مخادع: التعرف على الفلسطينيين واحتياجاتهم وفهم أكثر لظروفهم، هذا كشفه مؤخراً اومري شيفر رافيف، طالب الدكتوراه في قسم التاريخ اليهودي في الجامعة العبرية الذي قال في دراسة إن الهدف الأساسي وراء تشكيل "لجنة الأساتذة" هو كيفية الحدّ من المقاومة الشعبية للحكم العسكري، والمدى الذي يمكن فيه أن تزدهر به الأفكار الثورية بينهم مثل الشيوعية أو القومية العربية التي كانت سائدة تلك الفترة. ويقول الكاتب إن اللجنة توصلت إلى عدة توصيات لعلّ من أهمها واللافتة للنظر، تلك التوصية التي تمنح الفلسطينيين في الضفة والقطاع، الحق في السفر والهجرة مع إمكانية العودة إلى المناطق المحتلة، ذلك أنهم في حال منعهم من حق العودة فإنهم لن يهاجروا أو يسافروا خارج مناطق الاحتلال! وهذه التوصية لم يتم التعامل معها كما هو معروف إلاّ بحدود ضيقة، حيث كان يسمح بحقهم في العودة نظرياً، ولكن منعهم من ذلك عملياً من خلال جملة من التبريرات الأمنية!


طالعت ملخّصاً لهذه الدراسة، التي تعتبر أحد أهمّ الأبحاث المتعلقة بالخطط الإسرائيلية الرامية لتهجير الفلسطينيين ومواجهة مقاومتهم للاحتلال، أثناء تفحصي لنتائج مؤتمر هرتسليا السنوي التاسع عشر الذي عقد قبل أيام، وهو المؤتمر الذي ينظمه معهد السياسات والاستراتيجية، وقد لفتت انتباهي الخلاصات التي توصل إليها المؤتمر الأخير مقارنة مع تلك التي خلص إليها مؤتمره للعام 2018، فقد أعرب المؤتمر الأخير عن قلق متزايد حول التحديات التي تواجه الدولة العبرية رغم هدايا ترامب، بينما خلصت نقاشات المؤتمر الثامن عشر إلى أن إسرائيل تعيش عصراً ذهبياً لم تشهده منذ 70 عاماً!


ليس هدف هذه المقالة تناول تلك الوثائق، فلذلك مجال  آخر، إلاّ أن هذه الأبحاث والدراسات التي تقوم بها إسرائيل، وعلى كافة الصعد، وفي مختلف المجالات تعبر عن أن الدولة العبرية، لم تستمر في احتلالها للأراضي المحتلة، وحتى وجودها كدولة، إلاّ من خلال قدرتها على البحث والتخطيط ولم تترك التداعيات والتحديات للصدفة أو لتطور الأمور والأحداث، بل أسهمت هذه الخطط في أن تجعل الدولة العبرية قادرة على صنع الأحداث وتوجيهها في سياق مصالحها، ولولا ذلك، لما أمكن لهذه الدولة البقاء والاستمرار والاستقرار شوكة في ظهر العرب والفلسطينيين!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد