كان أول إضراب جماعي ومنظم عن الطعام يخوضه الأسرى في سجون الاحتلال، قد حدث في سجن عسقلان، في الخامس من تموز/ يوليو عام1970. واستشهد فيه الأسير عبد القادر أبو الفحم. والحق أن هذا الإضراب المبكر، شكّل حافزاً للانطلاقـة والنوعية، نحو المزيد من الإضرابات الجماعيـة المنظمة عن الطعام. فتوالت الإضرابات بعد ذلك، في السجون كافة، وسقط المزيد من الأسرى شهداء.

لم يكن الإضراب عن الطعام يوماً هو الخيار الأول أمام الأسرى، كما لم يكن هو الخيار المفضل لديهم، وليس هو الأسهل والأقل ألماً ووجعاً، وإنما هو الخيار الأخير وغير المفضل، وهو الأشد إيلاماً والأكثر وجعاً، فهم لا يهوون تجويع أنفسهم ولا يرغبون في إيذاء أجسادهم، كما لا يرغبون في أن يسقط منهم شهداء في السجون.

لكنهم يلجؤون لهذا الخيار مضطرين ورغما عنهم، وذلك بعد استنفاد الخيارات الأخرى، وبعدما يتوصل الأسرى الى قناعة بفشل تلك الخيارات التي تُعتبر أقل ألما وقسوة، في ظل تقاعس المجتمع الدولي وعجز مؤسساته الحقوقية والإنسانية عن إلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجونها ومعتقلاتها، وذلك تجسيداً لثقافة المقاومة، باعتبار الإضراب عن الطعام  شكلاً من أشكال المقاومة السلمية خلف القضبان، وعلى قاعدة أن الحقوق تُنتزع ولا توهب، وصوناً لكرامتهم المهانة، ودفاعاً عن مكانتهم النضالية والقانونية ومشروعية مقاومتهم للمحتل.

وبناءً على ذلك فلقد خاض الأسرى منذ عام 1967 عشرات الإضرابات الجماعية عن الطعام، أقدمها كان في سجن الرملة عام 1968، وأطولها في عسقلان عام 1976 واستمر لـ 45 يومًا، وأحدثها "الحرية والكرامة" عام 2017 وتم تعليقه بعد 41 يومًا، فيما أعلن المعتقلون الإداريون مؤخرا عن بدء اضراب متدحرج ويتسع مع مرور الأيام وقد يصل الى اضراب جماعي رفضا للاعتقال الإداري.

وقدم الأسرى خلال تلك الإضرابات تضحيات جساما، وسقط من بينهم شهداء، ويُعتبر الأسير "عبد القادر أبو الفحم" الذي استشهد في سجن عسقلان عام1970 هو أول شهداء الاضرابات عن الطعام، ومن ثم تبعه راسم حلاوة وعلى الجعفري عام 1980 واسحق مراغة عام 1983 وحسين عبيدات عام 1992، هذا بالإضافة الى أن الإضرابات عن الطعام تسببت بأمراض كثيرة واعاقات عديدة لعشرات من الأسرى الفلسطينيين جراء التغذية القسرية والاجراءات التعسفية والاهمال الطبي للمضربين.

ومع مرور الوقت أضحت الاضرابات عن الطعام –رغم مرارتها وقسوتها- ثقافة متجذرة لدى الحركة الوطنية الأسيرة، ومن خلالها استطاع الأسرى انتزاع العديد من حقوقهم المسلوبة وتغيير الشروط الحياتية وتحسين ظروف احتجازهم. ومنذ العام 2011 برزت ظاهرة الإضرابات الفردية الآخذة في الاتساع وغالبيتها كانت رفضا للاعتقال الإداري.

ولعل أبرز الإضرابات الجماعية التي خاضها الأسرى منذ العام 1967 تتلخص بالتالي:

-  إضراب سجني الرملة و"كفار يونا" بتاريخ 18 شباط/ فبراير 1969 واستمر 11 يومًا بسجن الرملة و8 في كفار يونا.

- إضراب الأسيرات الفلسطينيات في سجن "نفي تريسنا" بتاريخ 28 نيسان/ أبريل 1970 واستمر 9 أيام.

- إضراب سجن عسقلان 5 تموز/ يوليو 1970 (7 أيام)، واستشهد خلاله الأسير عبد القادر أبو الفحم.

-  إضراب سجن عسقلان بتاريخ 13 أيلول/ سبتمبر1973، والذي استمر لمدة 24 يومًا.

- إضراب في عدة سجون انطلق من سجن عسقلان بتاريخ 11 كانون أول/ ديسمبر1976 واستمر لمدة 45 يومًا، وبعدها تم تعليق الإضراب، وبتاريخ 24 شباط/ فبراير 1977 استأنف الأسرى في سجن عسقلان إضرابهم واستمر لمدة 20 يومًا، كامتداد للإضراب السابق، بعدما تنصلت إدارة السجون من التزاماتها وتراجعت عن الوعود التي قطعتها للأسرى.

- إضراب سجن نفحة بتاريخ 14 تموز/ يوليو1980 واستمر لمدة 32 يومًا. وقد شاركت باقي السجون بإضراب إسنادي، واستشهد خلاله الأسيران؛ علي الجعفري وراسم حلاوة، ثم التحق بهما في تشرين ثاني/ نوفمبر1983 الأسير اسحاق مراغة، واستشهد جراء "التغذية القسرية"، ويعتبر هذا الإضراب "الأشهر والأعنف".

- إضراب سجن جنيد في شهر أيلول/ سبتمبر 1984 واستمر 13 يومًا، وذلك بعد افتتاح السجن المذكور في مدينة نابلس في شهر تموز/ يوليو 1984.

- إضراب سجن جنيد بتاريخ 25 آذار/ مارس1987 وشارك فيه 3000 أسير فلسطيني من معظم السجون، واستمر لمدة 20 يومًا، وكان له إسهام فعال في اندلاع انتفاضة الحجارة الكبرى في كانون أول عام 1987.

- إضراب سجن نفحة بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 1991 واستمر لمدة 17 يومًا.

- إضراب شامل في كافة السجون والمعتقلات بتاريخ 27 أيلول/ سبتمبر 1992، واستمر 19 يومًا، وأصطلح على تسميته بـ "أم المعارك" كونه شكّل مرحلة مهمة في الذود عن كرامة الأسير، وقد شارك فيه نحو 7 آلاف أسير، وحظي بمساندة جماهيرية واسعة في الوطن والشتات، وحقق العديد من الإنجازات والتحسينات، واستشهد خلاله الأسير المقدسي حسين عبيدات.

-إضراب الأسرى بتاريخ 18 حزيران / يونيو1995 تحت شعار "إطلاق سراح جميع الأسرى والأسيرات دون استثناء"، وجاء بغرض "تحريك" قضيتهم السياسية قبل مفاوضات طابا، واستمر 18 يومًا.

-إضراب الأسرى عن الطعام بتاريخ 5 كانون أول/ ديسمبر 1998 إثر قيام سلطات الاحتلال بالإفراج عن 150 سجينًا جنائيًا، ضمن صفقة الإفراج التي شملت 750 أسيرًا وفق اتفاقية "واي ريفر" وعشية زيارة الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلنتون للمنطقة، والذي استمر 16 يومًا.

-إضراب 2 أيار/ مايو 2000 احتجاجًا على سياسة العزل، والقيود والشروط المذلة على زيارات أهالي المعتقلين الفلسطينيين، وقد استمر هذا الإضراب ما يقارب الشهر.

-إضراب سجن "نيفي تريستا" بتاريخ 26 حزيران/ يونيو2001 حيث خاضته الأسيرات واستمر لمدة 8 أيام متواصلة احتجاجًا على أوضاعهن السيئة.

-إضراب شامل في كافة السجون بتاريخ 15 آب/ أغسطس 2004 واستمر 19 يومًا.

-إضراب أسرى سجن "شطة" بتاريخ 10 تموز/ يوليو 2006 واستمر 6 أيام، احتجاجًا على تفتيش الأهل المذل خلال الزيارات، وكذلك لتحسين ظروف المعيشة بعد مضايقات على ظروف المعيشة وخصوصًا التفتيش الليلي المفاجئ.

-إضراب أسرى الجبهة الشعبية وبعض المعزولين وذلك بتاريخ 27 أيلول/ سبتمبر 2011 والذي استمر 22 يومًا. إضراب مفتوح عن الطعام، لقرابة 1600 أسير، بتاريخ 17 نيسان/ أبريل2012، واستمر 28 يومًا.

- إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال وبدأ بتاريخ 24 نيسان/ أبريل 2014، وشارك فيه نحو 120 معتقلًا قبل أن يتوسع ويضم مئات آخرين، احتجاجًا على استمرار سياسية الاعتقال الإداري بدون تهمة أو محاكمة، واستمر 63 يومًا.

- في التاسع من كانون أول / ديسمبر 2014 أعلن قرابة 70 أسيرا في سجون: النقب، ريمون، ونفحة، إضرابهم عن الطعام وانضم إليهم لاحقًا عشرات الأسرى وانتهى بعد 9 أيام.

-في 17 نيسان/ أبريل عام 2017 أعلن نحو (1500) اسير في عدة سجون إسرائيلية بقيادة الأخ مروان البرغوثي  إضرابًا مفتوحًا عن الطعام؛ تحت عنوان "الحرية والكرامة" وطالبوا بتحقيق جملة مطالب، أبرزها؛ إنهاء سياسة العزل، وسياسة الاعتقال الإداري، وقف سياسة الاهمال الطبي وتوفير الرعاية الطبية للمرضى، ووقف الإجراءات المذلة والمهينة بحق الأسرى والأسيرات، إضافة إلى المطالبة بتركيب تلفون عمومي للأسرى الفلسطينيين، للتواصل مع ذويهم، ومجموعة من المطالب التي تتعلق في زيارات ذويهم، والسماح بالتعليم وادخال الصحف ومشاهدة بعض القنوات العربية، وتم تعليقه بعد 41 يومًا بعد اجراء مفاوضات مع ادارة السجون أفضت الى اتفاق يقضي بتعليق الاضراب مقابل موافقة ادارة السجون على تلبية العديد من مطالب الأسرى. وبذا حقق الأسرى انتصارا جديدا يُضاف الى انتصاراتهم السابقة عبر ما يُعرف بـ "معارك الأمعاء الخاوية" أو "الإضرابات عن الطعام".

-في 17 نيسان/ابريل 2019 خاضت مجموعات من الأسرى اضرابا عن الطعام "الحرية والكرامة2" احتجاجا على سوء ظروف الاحتجاز وتدهور الأوضاع وقسوة المعاملة، وطالبوا بتفكيك أجهزة التشويش وتركيب تليفونات عامة في اقسام الأسرى للتواصل مع عائلاتهم، والغاء منع الزيارات ومنح كافة الأسرى حقهم في التزاور، ورفع العقوبات المفروضة على الأسرى، وتحسين ظروف "المعبار" وتوفير العلاج اللازم للأسرى المرضى والجرحى، وتحسين ظروف احتجاز الأطفال.

-وقد أعلن المعتقلون الإداريون مؤخرا عن بدء معركة "الوحدة والإرادة"، وتتمثل في بدء مجموعة من المعتقلين الإداريين الاضراب عن الطعام ويتسع تدريجيا مع مرور الأيام وقد يصل الى اضراب جماعي، وذلك رفضا للاعتقال الإداري التعسفي.

وفي الختام لابد من التأكيد على أن نجاح أي اضراب يخوضه الأسرى يحتاج الى كثير من العوامل المساعدة التي يجب توفرها داخل وخارج السجون، ولعل أهمها وأبرزها: وحدة الموقف واتساع الحراك النضالي والتضامني، وتفعيل أشكال الدعم والمساندة، وتعزيز قوة الضغط والتأثير.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد