التحذير من مخاطر التسول على أطفال الأسر المعدومة بغزة
غزة / خاص سوا / إبراهيم شقوره / ما ان تمر في أحد أسواق قطاع غزة أو تجلس في أحد منتزهاتها أو حتى تخرج من بوابة أحد المخابز في شوارع المدينة التي أرهقتها سياسات الحصار من الاحتلال وانشغال طرفي الانقسام عن احتياجات سكانها منذ قرابة الثمانية أعوام، حتى تصطدم بالأطفال المتسولين الذين يحيطون بك وبمن حولك طالبين منك أن تعطيهم المال.
الطفل محمود صاحب البشرة الفاتحة والعيون الخضراء، قرر أخذ قسط من الراحة في حديقة الجندي المجهول بمدينة غزة، وصدفة كان مراسل "سوا" يتواجد في المكان، ما دفعه لسؤال الطفل عن أسباب عمله كـ"متسول".
يقول محمود ذو الملابس المهترئة: "كنت أعمل قبل جمع المال من الناس بهذه الطريقة بائعاً للترمس، وكان القليل يشتري مني ما تصنعه أمي لي كل ليلة، حيث كنت أعود لعائلتي بالقليل من المال في ظل مرض والدي وعدم مقدرته على العمل".
ويضيف: "منذ أن بدأت بالتسول أصبحت أخرج من منزلنا ظهراً وأعود عصراً لأجمع يومياً 40 شيكل على الأقل في ساعتين من الزمن، بدلاً من العمل الشاق الذي يتعب أمي ويتعبني في بيع واعداد الترمس".
ويتابع: "أنا الوحيد الذي أصرف على عائلتي، وأعرف أنه من المفترض أن يعمل أبي ويعطيني المال كمصروف لأذهب إلى المدرسة وأتعلم، لكن لا طريق آخر أمامي سوى البقاء في ذات المهنة حتى تستطيع عائلتي العيش".
محمود الذي التقى مراسل "سوا" به بعد منتصف الظهيرة، كان يتركه للحظات ويتوجه لكل عائلة أو فرد تحضر للتنزه في حديقة الجندي طالباً المال ويعود من جديد.
وجمع الطفل 20 شيكل خلال ساعة من الزمن، ليؤكد أن الحاجة ليست فقط هي من تدفع الأطفال للعمل في مهنة التسول بل الثمن المجدي الذي يتلقاه الأطفال من المتعاطفين خصوصاً حين يحملون ملامح جميلة كما هي الحالة مع محمود.
ظاهرة التسول ليست جديدة، وتسول الأطفال أصبح ينتشر بشكل أكبر لكنها خطيرة كما يرى الدكتور درداح الشاعر المحاضر في علم النفس الاجتماعي بجامعة الأقصى، قائلا: "التسول للأطفال مهنة خطيرة على المجتمع الغزي في ظل نسب الفقر العالية التي تجتاح الأسر الفلسطينية، والتي قد يدفع البعض منها أبناءه إلى مهنة التسول في ظل عجز رب الأسرة عن جلب احتياجاتها".
ويضيف الشاعر: "في كثير من الحالات وحين يفشل الأب في تلبية احتياجات عائلته من خلال فرصة عمل مناسبة، يدخل في حالة من الإحباط ويبدأ بتضييق الخناق على بقية أفراد أسرته، حينها من الممكن أن يتحول الأطفال لمهنة التسول والتي يشعرون بسهولة الحصول على المال من خلالها، بدلاً من تحمل أعباء الدراسة وواجباتها اليومية والتي تشكل هماً على الطفل".
ويشير إلى أن تحول الطفل إلى متسول تعني فشل الأسرة في تحقيق وظيفتها التربوية, حيث تمثل الأسرة وحدة أساسية في تكوين المجتمع وهو ما يشكل خطرا على مستقبل المجتمع الغزي.
ويبين الشاعر أن ظاهرة تسول الأطفال هي ظاهرة يكثر شيوعها في المجتمعات الإسلامية، حيث يستميل منظر الطفل في الملابس المهترئة عطف الكبار، مؤكداً أن عمل الأطفال في التسول يدمر حياتهم المستقبلية ويحولهم إلى خطر على المجتمع.
وحول كيفية التصرف مع الأطفال الذين يتسولون من المجتمع يجيب الشاعر، أنه لا ينبغي مطلقاً اعطاء الأطفال المتسولين المال بل ينبغي التوجه إلى أسرهم ومساعدتها في حال كانت فقيرة أو الابلاغ عنها في حال كانت تستغل اطفالها للعمل في التسول.
ويرى الدكتور الشاعر أن ثقافة تسول الأطفال أصبحت ظاهرة ينبغي الإسراع في معالجتها من قبل المؤسسات الحقوقية كافة المعنية بالطفل والجهات القانونية وأفراد المجتمع التي يجب أن يقوموا جميعا بدورهم تجاه الأطفال وتجاه من يرسل أطفاله إلى الشوارع لجلب المال.
من جانبه، يؤكد الناشط الحقوقي والمحامي في الهيئة المستقلة لحقوق الانسان المحامي رأفت صالحة أن القانون لا يسمح بظاهرة التسول للأطفال وكذلك للبالغين، مؤكداً أن القانون الفلسطيني يحصن الأطفال بحقوق اجتماعية وثقافية ويعتبرهم من الفئات المحمية بموجب نصوص صريحة.
ويوضح صالحة أن الدور الأساسي المنوط بالسلطة الحاكمة قبيل ملاحقة الأطفال المتسولين، يكمن في توفير كل الحماية والحياة الكريمة للأطفال عبر توفير بيئة ملائمة اقتصاديا واجتماعياً للأسرة المحيطة بالطفل.
ويؤكد الناشط الحقوقي على أن القانون الفلسطيني يحظر بنصوص صريحة استغلال بعض الأسر، بغض النظر عن حالتها المادية، تشغيل أطفالها كمتسولين أو حتى بائعين متجولين، مشدداً على ضرورة ملاحقة الأسر التي تدفع أطفالها للتسول من قبل الجهات المختصة.
ويحظر قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004م في المادة 43، استغلال الأطفال في التسول كما يمنع تشغيلهم في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفهم بعمل من شأنه أن يعيق تعليمهم أو يضر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية.
ويشدد القانون على ضرورة اتخاذ الدولة كافة التدابير لضمان ذلك، وينص على ان " تتخذ الدولة التدابير اللازمة لضمان التزام والدي الطفل أو من يقوم على رعايته بتحمل المسؤوليات والواجبات المشتركة المنوطة بهما في تربية الطفل ورعايته وتوجيهه ونمائه على الوجه الأفضل."