في مقال سابق تحت عنوان " صفقة القرن : استهداف الكيانية الفلسطينية" تحدثت عن مدلولات الخطوات الأميركية في القدس والتصريحات التي نطق بها المبعوثون الأميركيون والتي قالت صراحة إن الصفقة لا تشمل دولة فلسطينية، وهذا يتأكد اليوم بشكل لا يقبل الشك أو التأويل بتصريح جديد لجاريد كوشنير مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره والمكلف الإشراف على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي و"صفقة القرن" يستثني فيه مبادرة السلام العربية، أي أن المشروع الأميركي يشطبها تماماً. والمبادرة عملياً تقوم على مقايضة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بالسلام الشامل والأمن وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. بمعنى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدعو الفلسطينيين إلى التخلي عن حلم الدولة المستقلة والقبول بدلاً من ذلك بأموال هي في الغالب عربية بحجة تحسين وضع الفلسطينيين. تماماً كما يقول السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون الذي طالب الفلسطينيين بالتخلي عن الدولة مقابل الحصول على مزايا اقتصادية، بل وطالبهم بالاستسلام في مقالته في "نيويورك تايمز" أول من أمس.


وبالرغم من الرفض الفلسطيني الشامل والمطلق للمشروع الأميركي ولورشة البحرين التي من المفروض أن تُدخل العالم العربي وأطراف دولية إلى هذا المشروع من الشباك بعد أن أوصد الفلسطينيون الباب أمامه، لم تتبلور خطة أو استراتيجية فلسطينية لكيفية مواجهة خطة ترامب برغم الحديث المتكرر عن ضرورة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام والمواجهة الشعبية الشاملة. فنحن لا نزال أسرى المواقف النظرية والشعارات وبعيدين عن فعل حقيقي على الأرض يؤكد قدرتنا على الصمود في وجه هذه المؤامرة وعلى تحديها وإفشالها تماماً. وحتى المسيرات التي يجري تنظيمها ومع أهميتها في التعبير عن الرفض فهي لم تصل إلى مستوى العمل الجمعي المنظم والمتواصل. 


"لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي"، التي تهاجم ويجري تشويه نضالاتها، والمنبثقة أساساً من قرارات منظمة التحرير الجديدة - القديمة بأهمية الحوار مع الإسرائيليين الراغبين في السلام والمؤمنين بإنهاء الاحتلال وبحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية بما فيها حقه في دولة مستقلة على حدود العام 1967، نجحت في فعل خطوة عملية في مواجهة "صفقة القرن" وتأكيد مبدأ قيام دولة فلسطينية وإعادة الاعتبار للمبادرة العربية للسلام. من خلال إعداد إعلان مشترك إسرائيلي - فلسطيني مختصر وقعت عليه مئات الشخصيات الإسرائيلية والفلسطينية وينص على التالي: "نحن، الإسرائيليين والفلسطينيين، نؤمن بأن التوصل إلى اتفاق سياسي دائم للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني يجب أن يستند إلى مبدأ الدولتين لشعبين على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 ومبادرة السلام العربية". ويقف على رأس الشخصيات الإسرائيلية الموقعة عامي أيلون رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" السابق.


هذا الإعلان في الواقع يشكل صفعة للأميركيين ويقول لهم: ليس الفلسطينيون وحدهم من يرفض "صفقتهم" الفاشلة بل وأيضاً شخصيات إسرائيلية وازنة تعي مصلحة إسرائيل ومتطلبات السلام والأمن والاستقرار في هذه المنطقة. وهو على درجة كبيرة من الأهمية لتزامنه مع انعقاد "ورشة البحرين"، بل هو يسبب إحراجاً للعرب الذين يتعاطون مع مشروع أميركي تنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ويريد شطب حريتهم واستقلالهم مقابل دولارات تذهب أدراج الرياح كما ذهبت مليارات قبلها بسبب الاحتلال وعدم سيطرة الفلسطينيين على أرضهم ومواردهم. فعندما يرفض إسرائيليون المشروع التصفوي فمن باب أولى أن ترفضه الأمة العربية، شعوباً وقيادات وحكومات.


لا نريد العودة للحديث عن أهمية التأثير على الرأي العام الإسرائيلي في دفع عملية السلام، ولكن من المهم هنا التذكير بأننا جميعاً نشكو من سيطرة اليمين العنصري - الاستيطاني على الحكم في إسرائيل، وينتاب حديث الغالبية الكثير من اليأس من إمكانية حدوث تغيير جدي في ظل هذا الواقع. وهنا يتوجب أن نسأل أنفسنا ماذا فعلنا أو سنفعل من أجل دفع قضيتنا إلى الأمام. فإذا كان رفض المشاريع التي تنتقص من حقوقنا الوطنية مسألة مهمة للسعي لقطع الطريق أمامها، ولكن هذا لا يكفي لأن الواقع على الأرض يتغير بشكل مستمر ومكثف لغير صالحنا خصوصاً في ظل وجود مشروع استيطاني يحظى بأولوية كبرى واستثنائية لدى الأوساط الحاكمة في إسرائيل. ولهذا بات مطلوب منا أن نسعى بكل ما نملك من طاقات للتأثير على الخارطة السياسية الإسرائيلية سواء عبر جماهيرنا الفلسطينية هناك أو عبر شركائنا اليهود الذين يتفقون معنا على مبادئ التسوية السياسية العادلة على قاعدة مبادرة السلام العربية وخاصة قيام دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة منذ الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين. وهذا أيضاً يجب أن يترافق مع نضال شعبي واسع النطاق تشارك فيه أوسع قطاعات وفئات شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بالترافق مع حملات سياسية ودبلوماسية منظمة في كافة أرجاء العالم. ولنكف عن جلد أنفسنا وإطلاق صفات التشكيك والتخوين في بعض أوجه نضالاتنا التي تتطلب جرأة عالية جداً وجهداً وتضحية كبيرين تفوق بكثير التهليل وتوزيع الشهادات عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد