غزة صامتة منذ رحيل محمد مرسي وكأنه لم يكن موجوداً , والقاهرة تحت قبضة أمنية مشددة خوفاً من أي تداعيات , وبعض الاطراف الإقليمية تستعد لمهاجمة مصر كما حدث مع السعودية في قضية "خشقجي" , ورحل الرئيس السابق لمصر محمد مرسي , تاركاً متاعب الدنيا ومشقة السياسة , ومن ضمن ما تركة أيضاً هو مثوله أمام المحكمة بتهمة التخابر مع عدة جهات أجنبية ومن ضمنها حركة حماس , فهذه وحدها كانت كفيلة أن تبقيه في السجن مدى الحياة أو يحكم عليه بالإعدام , وبغض النظر عن ما إذا كان بريئاً من هذه التهم أم لا , فهذا ليس من إختصاصي , ولكن ما أعرفه عن هذا الرجل بحكم مهنتي كمحلل , أنه سقط ضحية تغيرات إقليمية , وإنحرافات فكرية للمدرسة الإخوانية , وأخطاء جسيمة داخل الجماعة , أدت الى إنهيارها عالمياً وإنهيار رموزها وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع ومحمد مرسي , وسواء كان مرسي ظالماً أو مظلوماً , فعند الله يلتقي الخصوم , ولا نستطيع إلا أن نقول "رحمه الله" .

ما قبل الرحيل كان محمد مرسي يمثل أمام المحاكم المصرية , حاملاً أغرب قضية رأيتها في التاريخ , وهي التخابر مع عدة جهات , ومن ضمنها حركة حماس , وبناء على ذلك كان المتهم "محمد مرسي" والتهمة "حماس" , والغرابة في الموضوع أن المتهم "مرسي" كان خلف القضبان ينتظر الحكم , والتهمة بحد ذاتها وهي"حماس" كانت بين أحضان النظام الحاكم "السيسي" والذي أطاح بالمتهم , وهذا المشهد يؤكد ما قلته في سياق المقال , أن مرسي سقط ضحية إنحرافات فكرية في المدرسة الإخوانية , كان عنوانها الحكم والمصلحة بإسم الدين , وهذا أدى الى إنشقاق حماس عن الإخوان تحت عنوان الحكم والمصلحة .

أما ما بعد رحيل مرسي , فلن يتغير شيئاً لمن كان يتابع الأمور جيداً , فإسرائيل أخطأت في تقديراتها الأمنية عندما تأهبت لحدوث ردات فعل في غزة والقاهرة نتيجة وفاة مرسي داخل السجن , وتصرفت وكأنها لا تعلم أن حماس إنشقت عن الإخوان في وثيقتها الأخيرة , وأصبحت من أصدقاء النظام الحالي "السيسي" , فاليوم حماس لا تستطيع إقامة بيت عزاء , ولا تكبر في المساجد , ولا تطلق النار في الهواء , ولا تعلق صور مرسي على الجدران كما كانت تفعل في السابق , وإستكفت بنعي تقليدي على وسائل الإعلام , وصفت فيه مرسي بالرئيس السابق , وهذا يؤكد لنا جدية المرحلة الجديدة لحماس ما بعد الوثيقة الجديدة , والتي كان أحد بنودها إنشقاقها عن الإخوان .

كانت التقديرات الأمنية لمصر وإسرائيل بعد وفاة مرسي بما يخص القاهرة , نوعاً ما أدق من التقديرات بشأن غزة , والسبب وجود جماعة الإخوان في مصر كمناصرين , تحركهم مشاعرهم قبل أن تحركهم مصالح وأجندة كما حدث في غزة , وخاصة أنه أيضاً وعلى مستوى القيادة في مصر , حملت جماعة الإخوان مسئولية موت مرسي للنظام في بيان رسمي , وهذا بالطبع سيجعل الجيش والشرطة في مصر بحالة إستنفار قسوى خوفاً من تطور الأمور .

أعتقد أن وجود الإخوان كمناصرين في مصر لا يشكل خطراً , وهذا يعود الى طبيعة التركيبة التنظيمية للإخوان , فهم ليس جيشاً مسلحاً كداعش وغيره من السلفييين الجهاديين , وهذا يعني أن طريقتهم في المعارضة مختلفة تماماً عما يتوقع البعض , وتاريخهم في مصر وبعض الدول يشهد على ذلك , وخاصة إبان ثورات الربيع.. رحل مرسي وترك ثلاث محاور أساسية للصراع , حسب ترقب الكثير , القاهرة وغزة والأقاليم المناصرة للإخوان , فالقاهرة تحت قبضة أمنية مشددة , وغزة صامتة وكأن مرسي لم يكون , وذلك بسبب علاقة حماس الحميمة بالسيسي , أما الأقاليم المناصرة للإخوان فستعمل على نفس خطة خاشقجي , والتي ترتكز على الإعلام , فالأيام القادمة ستشهد هجوماً إقليمياً إخوانياً إعلامياً على النظام المصري , نتيجة موت مرسي في قاعة المحكمة , وأخيراً , رحم الله محمد مرسي .

كاتب صحفي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد