فتوى حول من أفطر يوم 30 رمضان ولم يعلن العيد في بلده
أصدر محمد سليمان نصر الله الفرا، نائب عميد الجامعة الإسلامية الفلسطينية - فرع الجنوب، عضو رابطة علماء فلسطين، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى حول من أفطر يوم الثلاثين من شهر رمضان ، ولم يعلن عيد الفطر في بلده.
وفيما يلي نص الفتوى:
الحمدُ للهِ، والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ اللهِ، وبعدُ..
بلغنِي أنّ عدداً مِن الناسِ - على قلّتِهم - قد أفطرُوا يومَ المُتمِّم أوّلَ أمسٍ الثّلاثاءَ، ومِنهُم من جاهرَ بذلكَ، رُغمَ أنَّ دار الإفتاءِ الفلسطينيَّةَ قد أعلنَت تعذُّرَ رؤيةِ هلالِ شوّالٍ، وأن عيدَ الفطرِ سيكونُ الأربعاءَ.
وقَد اختلفَت نوازِعُهُم في ذلكَ، فمنهُم من توهّمَ أنّ النّاسَ للسّعوديّةِ تبعٌ، ومنهُم مَن عدَّ الاختلافَ الحاصِلَ بينَ بلدانِ المسلمينَ في ميقاتِ العيدِ سياسيّاً، ومنهُم رأى أنَّ ما وقعَ إنما هو نتاجٌ مذمومٌ من نتاجاتِ تقسيمِ الأمّةِ وتقزيمِها وفقَ حدودٍ مصطنعةٍ أشرفَت عليها قوى الاستكبارِ في (سايكس - بيكو) قديماً، ناهيكَ عمّن أفطرَ شهوةً، أو حرَداً، أو جكراً، ونحوَ ذلكَ!
وإنَّ حُكمَ هذه التّصرُّفاتِ بحاجةٍ إلى بيانٍ وتجليةٍ؛ ذلكَ أنّهُ نذيرُ شرٍّ، وعلامةُ فتنةٍ، والواجبُ علَى أهلِ العلمِ والدُّعاةِ ترشيدُ تديُّنِ الناسِ، وتبصرتُهُم بما هو أقومُ لدينهِم، وأتقَى لنفوسِهم..
وإنّ بيانَ هذهِ المسألةِ تنظِمُهُ النّقاطُ الخمسُ التّاليةُ:
#أولا: إن ما عليهِ جماهيرُ الأمةِ سلفاً وخلفاً هو أنَّ الصّومَ والفطرَ منوطانِ برؤيةِ الهلالِ رؤيةً شرعيّةً، أو إحصاءِ أيّامِ الشهرِ ثلاثينَ يوماً، إذا حيلَ بيننا وبين الهلالِ، وقد اختلفَ العلماءُ الثقاتُ في مسألةِ وحدةِ المطالِع قبلَ تقسيمِ الأمّةِ في اتفاقيةِ (سايكس - بيكو) المشؤومةِ بأكثرَ من قرنٍ من الزّمانِ، وكانَ اختلافهُم شرعياً سائغاً لا سياسيّاً ممقوتاً..
فذهبَ الحنفيّةُ والمالكيّةُ إلى أنّ رؤيةَ الهلالِ في بلدٍ مُلزمةٌ لجميعِ البلدانِ الأخرَى صوماً وفِطراً، وإن تباعدتِ الدّيارُ وترامتِ الأقطارُ، واعتمدَ السّادةُ الشّافعيّةُ أن هذهِ الرؤيةَ إنما تلزمُ أهلَ البلدانِ القريبةِ دونَ البعيدةِ، وهو اختيارِ حبرِ الأمةِ عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُ.
#ثانيا: إنَّ علماءَ المسلمين قاطبةً قَد اتّفقُوا على أنَّ هذَا الخلافَ الفقهيَّ سائغٌ في حقِّ أهلِ البُلدانِ البعيدةِ، دونَ البلادِ القريبةِ، أو أهلِ البلدِ الواحدِ، ولا علاقةَ لهُ بأيِّ اختلافٍ سياسيٍّ، أو حدودٍ آثمةٍ مصطنعةٍ فرّقتِ الأمّةَ شيعاَ، فإنَّ المسلمينَ أمّةٌ واحدةٌ وإن اختلفَت أقطارُهُم وتعدَّدت بلدانُهم، وهم إخوةٌ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُم، وَيَسعَى بِذِمَّتِهِم أَدنَاهُم، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَن سِوَاهُم.
#ثالثا: إنَّ أهلَ البلدِ الواحدِ يومُ صومِهم ويومُ فطرِهم واحدٌ، وإنَّ اختلافَهم في ذلكَ شرٌّ وفتنةٌ، فقد صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ) (التِّرمذي 697).
قَالَ التَّرْمِذِيُّ: "مَعنَى هَذَا أَنَّ الصَّومَ وَالفِطرَ مَعَ الجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ"، وَلِذَلِكَ نَصَّ شيخُ الإسلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى أَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، وأَنَّ الصَّومَ وَالْفطرَ بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ، ويَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ.
#رابعا: مِن القواعدِ المُقرَّرةِ شرعاً أنّ حكمَ الحاكمِ رافعٌ للخِلافِ في المسائلِ الاجتهاديّةِ، والمرجعيّاتُ الشرعيّةُ؛ كدارِ الإفتاءِ، والمحكمةِ الشرعيَّة العُليا، قولُهم ملزِمٌ، وواجبُ الاتباعِ في حقِّ كل مُسلمٍ على أرضِ فلسطين، والمُخالفُ في ذلكَ ليسَ معذوراً أمامَ الله، واختلافُ النّاسِ على أهلِ الذّكرِ شرٌّ، والمجاهرةُ بذلكَ فتنةٌ!
#خامسا: إنَّ من أفطرَ يومَ المُتمِّمِ من أهلِ فلسطينَ؛ اجتهاداً، أو جوعاً، أو جكراً، أو حرداً، قد جانبهُ الصّوابُ، وواللهِ أنِّي مشفقٌ عليهِ، وإنَّ مما أدينُ بهِ للهِ أن هؤلاءِ الكرامَ - غفرَ اللهُ لنا ولَهُم - مأمورونَ بالتّوبةِ والاستغفارِ، والإنابةِ للغفّارِ، ويلزمُهُم قضاءُ يومٍ مكانَ الذي أفطروهُ، فإنَّ الصومَ دينٌ، وإنّ شهرَ رمضانَ شعيرةٌ من شعائرِ اللهِ، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبعَ.
واللهُ تعالَى أعلمُ.
محمد سليمان نصر الله الفرا
الخميس 2 شوال 1440 للهجرة