ليس من المرجّح أبداً أن ينجح نتنياهو بتذليل كل العقبات التي ما زالت تعترض تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل.
لا يرجّح بالرغم من أن نتنياهو لديه خبرة استثنائية في المناورة. 
وإذا كانت التجربة السياسية نفسها قد أغنت قدراته التفاوضية، والقدرة على المناورة، والبحث عن وسائل فعالة في إقناع خصومه وحلفائه، فإن شخصية نتنياهو نفسها مراوغة وزئبقية، وهو قادر على ما يبدو على إيجاد المخارج المناسبة أو المناسبة نسبياً للأزمات والمشكلات.
ويعود السبب الرئيس ـ كما ارى ـ لقدرة نتنياهو على المناورة وإيجاد المخارج إلى إيمانه بالهدف الذي وضعه لنفسه منذ أن بدأ نجمه بالصعود في الحياة السياسية الإسرائيلية، وهو هدف الوصول إلى أعلى قمة الهرم السياسي ـ منصب رئيس الحكومة ـ ثم الاحتفاظ بهذا المنصب بكل السبل والوسائل، ومن خلال تقديم كل أنواع الوعود والخدع والإغراءات، وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال من مناورات ومساومات.
ويكاد كل شيء بالنسبة لنتنياهو أن يكون مرهونا بهذا الهدف، وإليه وحده (الهدف) تحيّره السياسة والأيديولوجيا والثقافة والإعلام والعلاقات.
حتى الأربعاء القادم يجب على نتنياهو أن يكون قد انتهى، إما إلى تشكيل الحكومة، أو الذهاب إلى انتخابات جديدة والدعوى لها!
أو هو في الواقع يهدد بالانتخابات لتخويف الجميع من "مغبة" الذهاب إليها، باعتباره واثقاً من بقاء كتلة "الليكود" في المقدمة، وباعتبار أن بعض الأحزاب اليمينية ربما تخشى "العودة" إلى الانتخابات مرة أخرى.
وهو في الواقع هنا "يخيّر" هذه الأحزاب بين "خطر" الانتخابات وبين "البحث" عن مكاسب أقل وربما أقل بكثير إذا ما اختارت بعض هذه الأحزاب الائتلاف في اطار حكومة "أزرق ـ أبيض" في حالة فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة.
مشكلة نتنياهو هذه المرة هي أنه بالإضافة إلى الهدف وهو تشكيل الحكومة، لديه هدف جديد وهو "التملص" من المحاكمة، ومحاولة الحصول على "حصانة" تخرجه من مأزق الفساد.
هذا الهدف ليس موضع إجماع، وهو هدف يضع نتنياهو في موضع الابتزاز أكثر مما يضع الآخرين في هذا الموضع. هذه الخاصية بالذات تعقّد مهمة نتنياهو هذه المرة أكثر من أي مرة أخرى.
لا يمكن لنتنياهو أن يصل إلى الهدف الجديد دون الاصطدام المباشر مع القضاء في إسرائيل، كما أنه لن يتمكن من "إقناع" الآخرين أو لنقل كل الآخرين بخوض هذه "المعركة" معه بنفس الدرجة، وعلى نفس مستوى الحميّة وال حماس ة التي يعمل بها، ويسعى للوصول إليها.
أما الخاصية الثانية في صعوبات مناورات نتنياهو فتتمثل في احتمال أن يكون تشكيل الحكومة هشاً وضعيفاً للغاية. 
لا يمكن لأي حكومة بائتلاف "60" صوتاً أن تتمكن من البقاء لأكثر من عدة شهور.
الأخطر من هذا كله هو أن حكومة كهذه ستكون خاضعة لأقسى أنواع الابتزاز من قبل المؤتلفين أنفسهم، وستتحول مطالباتهم حتى بعد تشكيل الحكومة إلى سيف مسلط على رقبة نتنياهو، الذي والحالة هذه سيكون كمن هرب من الدلف إلى تحت المزراب! ليس هذا فقط، وإنما أيضاً، الصعوبة التي سيواجهها نتنياهو في إقناع أطراف رئيسة في "الائتلاف" الجديد بالدخول إلى حكومة بغالبية صوت واحد أو حتى ثلاثة أو أربعة أصوات من أعضاء الكنيست .
إذا فشل نتنياهو لكل هذه الأسباب في تشكيل الحكومة، وإذا ما أراد التراجع والتنازل إلى أقصى حدود التراجع والتنازل ووافق من حيث المبدأ على حكومة اتحاد وطني مع "أزرق ـ أبيض"، فإنه سيذهب صاغراً، وليس لديه أوراق كافية للمناورة، ناهيكم طبعاً أن تحالف "أزرق ـ أبيض" يرفض حتى الآن مجرد طرح هذه الفكرة.
والأمر لن يتوقف عند هذا الحد فقط. 
الأمر أكبر وأخطر من ذلك.
من السهولة بمكان أن يتمكن شخص مثل نتنياهو من المناورة واللعب بالأوراق المختلفة، وضرب الخصوم بعضهم ببعض عندما يتوفر الهامش الكافي.
هذه المرة الهوامش ضيقة للغاية، وساحة المناورة أصغر مما كانت عليه في أي وقت مضى، وهو يتواجد على حواف الساحة ويمكن أن يقفز إلى المجهول في أية لحظة.
وعندما نطالع نقاط الخلاف بين مختلف الكتل لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، نلاحظ أن هذه الكتل كلها تقريباً لا يمكنها المشاركة "المقنعة" دون الانقلاب على كل حملتها الانتخابية.
لقد وصل الاستعصاء حتى الآن إلى درجة أن بعض الكتل ستختفي حتماً من الناحية السياسية إذا ما شاركت في "الحكومة الجديدة"، في حين يبقى لها أمل في الحياة إذا اضطرت إلى عدم المشاركة.
المعارضة في إسرائيل قوية وقوية للغاية، وبدأت "معارك" جديدة بعناوين جديدة مثل: "الدفاع عن الديمقراطية في إسرائيل من خطر نتنياهو عليها".
ووصلت الأمور إلى أن يتحدث في مهرجان، أول من أمس، القائد الوطني أيمن عودة، وهي حالة جديدة قد تتطور من الحالة والظاهرة إلى الاتجاه.
ما زلت أرى أن نتنياهو لديه ما يكفي من الحنكة والخبرة لعدم الفشل في تشكيل الحكومة، ولكني لست واثقاً تماماً هذه المرة، ولست واثقاً من أن مجرد تشكيلها سيحل المشكلة التي يحاول نتنياهو حلها، كما أن هدف نتنياهو الجديد ربما يكون هو مقتل كل طموحاته السياسية.
عندما يصبح الهدف هو "التملص" من المحاكمة يصبح تشكيل الحكومة من الأمور الصعبة، خصوصاً وأن المعارضة هذه المرة ليست مفتتة وهي تبدو متماسكة ومستعدة جيداً للمعارك القادمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد