خُرافة اسم رجل من بني عذرة، غابَ فترة عن قبيلته ثم عاد، فزعم أنَّ الجنَّ استهوتهُ واختطفتهُ، وأخذَ يُحدّثُ قومهُ بقصصٍ مما زعمَ أنَّهُ رأى من الغرائب والعجائب في بلاد الجن فكذبوه، فجرى على ألسنةِ العرب القول (حديِثُ خُرافة) على كل كلام مكذوب، وعنْ كلِ غريبٍ مُستعجب، أو كلِ عجيبٍ مُستغرب، وجاء في لسانِ العربِ لابن منظور أن "الخُرافة هي الحديث المستملح المكذوب". كما ضربوا المثلَ بُخرافة فقالوا: (أكذب من خُرافة). إذا ما سمعوا كلاماً مُخالفاً للمنطق، أو مناقضاً للواقع، أو مُضاداً للحقيقة، وقالوا عن هذا الضرب من الكلام (كلام تخاريف)، وكلام التخاريف لا يمكن فصله عن الزمن السخيف، وغالباً ما نسمع تخاريف من الزمن السخيف.

والحقيقة لا يوجد زمن سخيف وآخر حصيف، ولكن سخافة الزمن دلالة على تفاهة وضآلة من يعيش فيه، وكثرة كلام التخاريف التي تُقذف من فيه، وهذا يحدث عندما يُوّسدُ الأمرُ إلى غير أهلهِ، ويُرفع شأنُ من ليس أهلٌ له، وهو ما يُعرفُ بزمن الرويبضة، كما جاء على لسان من لا ينطق عن الهوى- صلى الله عليه وسلم- "سيأتي على الناسِ سنواتٌ خداعات يُصدّقُ فيها الكاذب، ويُكذّبُ فيها الصادق، ويؤتمنُ فيها الخائن، ويخُوّنُ فيها الأمين، وينطقُ فيها الرويبضة، قيل: ماالرويبضة؟ قال: الرجلُ التافهُ يتكلمُ في أمر العامة". والرويبضة هو السفيه الذي لا عقل له يتكلم في أمر العامة، أي في السياسة، وما أكثر هؤلاء اليوم من الشخصيات التي طفت على سطح بركةِ السياسة الرسمية الآسنة.

فزّاع الأهوج إحدى نماذج إنسان الرويبضة، وأكثر من ورثَ جينات عصور الأزمنة السخيفة، وانتهت إليه كل فصائل الدم غير النظيفة؛ ذلك بأن فزّاع الأهوج أكثر هذه النماذج خِفة، الممزوجة بشيءٍ من الغٍلظة وقليلٍ من الفِظة ، فكان أسرعها طفواً على سطح البِرْكة الراكدة غير الجارية، وأعجلها تردّياً في قاع الدنيا الفانية غير الباقية، وأسبقها صعوداً نحو قمة الجبل التي يأتي بعدها الهاوية. وهو إلى جانب ذلك من الشخصيات العالية المقام، وأحد كبار القادة العظام، وأكثر المخضرمين الذين عاشوا الأحداث الجسام، وقد يكون أبرز فلاسفة الثورة والنضال، وأشهر من خاض المعارك في ميادين النزال، وأشجع من تمرّغ جبينه في غبار القتال.

فزّاع الأهوج ليس له من اسمهُ نصيب بخلاف المعروف، فزّاع يعني كثير الفزع والرعب والهلع، والأهوج فاعل من هوج ورجل أهوج يعني أحمق وأخرق وأرعن، وصاحبنا لا تنطبق عليه هذه الصفات. فهو لم يضرهُ كيد المتآمرين الحاقدين عن مواصلة كفاحه الوطني، متنقلاً من مكتب مُكيف إلى آخر أكثر تكييفاً، تاركاً الخنادق والبنادق للفدائيين (المهابيل) والمجاهدين (المساطيل). ولم يمنعه تشويه المغرضين الموتورين عن متابعة نضاله العنيد، قافزاً من منصبٍ رفيع إلى آخر أكثر رِفعة، تاركاً مقاومة المحتلين للمنتفضين (المعتوهين) والثائرين (المغفلين). ولم تؤذِهِ اتهامات الحاسدين الكارهين بالفساد الإداري والمالي عن إصراراه العجيب وتصميمه الغريب على خدمة أبناء شعبه الحبيب، مبتدءاً بخدمة صاحبته وأخيه، ومنتهياً بخدمة فصيلته التي تؤيه، تاركاً النزاهة والشفافية للمسئولين (الأغبياء) والقادة (غير الأذكياء).

فزّاع الأهوج صاحب مواهب غريبة، وقدرات عجيبة، وعبقريات رهيبة، تجلّت في نظريات كثيرة، ونصائح وفيرة، ومؤلفات غزيرة، واختراعات غير يسيرة. نذكر منها على سبيل القصر لا الحصر، ومن باب الاقتضاب بعيداً عن الاسهاب، وللتذكير من غير تفصيل. أنه صاحب نظرية (الطائرة المخطوفة)، المقتبسة فكرتها من فيلم (إحنا بتوع الاوتوبيس)، مستبدلاً الأوتوبيس بالطائرة، وركاب الأوتوبيس بركاب الطائرة، إشارة إلى سكان قطاع غزة المخطوفين على يد ألف دستة أشرار من (الانقلابين الفُجّار). وأنه مبتكر نصيحة القرن التي فاقت صفقة القرن ، وهي موّجهة لأهل غزة دون الضفة، وفيها تعدّياً على وزارتي البيئة والصحة، ومضمونها دعوة لأهل غزة، لا سيما الخارجين عن الصف الوطني منهم، للشرب من ماء بحر غزة المالح، وبالتحديد الحتة الملوّثة منه، ليذوقوا طعم الملوحة دون طعم التلوّث، زيادةً في العقاب لعلهم يرجعون إلى الصف الوطني.

فزّاع الأهواج إضافة لذلك مؤلف كتاب العصر على غرار صفقة العصر (الأسرار الخفية لمعاني التمكين المخفية)، الذي فجّر فيه قنبلة التمكين الذي هو حق الحكومة على المواطنين، وأهم ما جاء فيه عن فوائد التمكين، أن في التمكين فائدتين: الأولى أنه يُبعد المكروه عن الثقلين، والثانية أنه يُقّرب المسافة بين الخصمين، في الوطن الواحد ذي الاقليمين. وهو مُسجل براءة اختراع نظام المقاطعة بين الفصائل مبتدءاً بالجهاد الإسلامي- أكثرها خروجاً عن الصف غير الوطني -، وواضع الخطة الاستراتيجية المشهورة بخطة تقويض حكم حماس في غزة، لإعادة الشرعية إلى بلد العزة، ومكتشف الحقيقة الخائبة بأن حركة حماس أخطر من الاحتلال على القضية الفلسطينية، وصاحب دعوة إحياء الفريضة الغائبة الواجبة، وهي نزع سلاح المقاومة وإزالة الشرعية عن نهجها وأهلها، على خلاف واضح بين شخصيات الرويبضة والأرباض من علماء المساومة وفلاسفة الهزيمة إن كانت الفريضة فرض عين أم فرض كفاية؟! أم أنه مجرد تخاريف من الزمن السخيف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد