القرار ضد BDS: تآكل المعايير الأخلاقية في أوروبا

اشرف العجرمي

سجلت إسرائيل إنجازين مهمين خلال هذا الأسبوع، الأول كان نجاح مسابقة الأغاني الأوروبية «اليوروفجين»، والذي لم يكن نجاحاً باهراً بصورة خاصة بسبب مقاطعة عدد من الفنانين والمثقفين وصدور بيانات بتواقيع أعداد أكبر ضد تنظيمها في إسرائيل بسبب انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين. ولكن مجرد تنظيم هذه المسابقة في إسرائيل هو نجاح لها حتى لو لم تنجح إسرائيل في بيع نصف التذاكر، فالمقاطعة هنا نجحت نسبياً. والإنجاز الثاني الذي يعتبر الأهم بالنسبة للسلطات الإسرائيلية هو قرار مجلس النواب الألماني «البوندستاغ» باعتبار حركة مقاطعة إسرائيل «بي دي إس» حركة معادية للسامية، بل وقد شبه دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية بالدعوات النازية، في خطوة غير مسبوقة أوروبياً.


نحن نفهم شعور الذنب لدى الألمان الذين تحملوا مسؤولية المحرقة  بعد ان قامت ألمانيا هتلر بإبادة ملايين البشر من اليهود وغير اليهود، ولكن ما لا يمكن فهمه هنا هو الدعم الذي تقدمه ألمانيا لدولة إسرائيل لتمارس احتلالها وقمعها للشعب الفلسطيني وعدوانها على دول الجوار، فأي موقف هذا الذي يعبر عن الشعور بالذنب نتيجة جرائم ارتكبت في الماضي للسماح لضحية الأمس ومجرم اليوم لمواصلة اعتدائه على حقوق الإنسان الفلسطيني، وهل هناك فرق بين «حق اليهود» في دولة وبين حق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال والحصول على دولة خاصة به من وجهة نظر ألمانيا وأوروبا، علماً بأن مأساة الشعب الفلسطيني هي من صنع أوروبا وإذا كان هناك شعور بالذنب لدى الأوروبيين يجب أن يكون تجاه ضحايا المحرقة وتجاه الشعب الفلسطيني الذي هو ضحية لها كذلك ولمشروع استعماري أوروبي أصلاً.


إن من يقول أن مقاومة الاحتلال تمثل نفياً لحق إسرائيل في الوجود، يتبنى فعلياً سياسة الاحتلال الإسرائيلي الذي يساوي بين معارضة ومقاومة الاحتلال والتنكيل بالفلسطينيين وبين معاداة السامية التي أصلاً هي ليست حصراً بمعاداة اليهود. فالشعب الفلسطيني لا يكره اليهود ولا يعاديهم، وإن شئنا فعدد كبير من مؤيدي مقاطعة إسرائيل هم من اليهود وهؤلاء لا يمكن اتهامهم بمعاداة اليهود. وللأسف الموقف الألماني لحق بالموقف الأميركي الذي أنتج قانون عدم تشغيل من لا يوقع على وثيقة يلتزم فيها بعدم معارضة إسرائيل. ونحن لا نتوقع أن تحذو أوروبا حذو إدارة الرئيس دونالد ترامب في تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال خاصة الحديث يدور عن مقاومة سلمية مشروعة ومقبولة دولياً. فحركة المقاطعة  الـ» بي دي إس»،  مقاومة سلمية لنهج الاحتلال وجرائمه من خلال تفعيل الضغط على المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، وحتى يشعر المواطن الإسرائيلي في كل مكان أن العالم لم يعد يقبل بمعايير مزدوجة في التعاطي مع قضايا انتهاك حقوق الإنسان، وإسرائيل ليست استثناءً.


المشكلة أن أوروبا في الفترة الأخيرة بدأت تستجيب للضغوط الإسرائيلية في أكثر من مسألة فعلى سبيل المثال هي تتبنى موقف إسرائيل من موضوع دفع رواتب لعائلات الأسرى والشهداء، ومؤخراً بدأت بفحص المناهج الفلسطينية بدعوى أنها تشتمل على تحريض على الكراهية والعنف. وحتى لو نفى الاتحاد الأوروبي ذلك وحاول تلطيف عملية الفحص بأسباب أكاديمية، فالحقيقة أن الدراسة الأوروبية جاءت بضغط من إسرائيل. قد نكون أسوأ محام للدفاع عن أعدل قضية سواء في موضوع الأسرى وغيره، وقد تكون مناهجنا سيئة وهي كذلك لأنها متخلفة ولا تنسجم مع الرؤية التي وضعتها وثيقة الاستقلال الفلسطينية وتقود النشء باتجاهات متخلفة بعيداً عن المجتمع المتطور والمتنور الذي نريد، ولكنها بعيدة تماماً عن تهمة التحريض حتى لو كانت فيها كلمة هنا وكلمة هناك قد تفسر بصورة غير صحيحة. والمناهج الإسرائيلية تعج بالتحريض وبتصوير الآخر غير اليهودي وتحديداً العرب بصورة دونية، وليس نحن من يقول ذلك بل باحثون وكتاب إسرائيليون وأهمهم د. إيلي بوديه .


نحن في مرحلة تراجع قيم المساواة والعدالة وحقوق الإنسان في أوروبا مع صعود اليمين المتطرف في دول القارة العجوز الذي يتحالف مع اليمين الإسرائيلي على الرغم من معاداته لليهود أصلاً وهذه مفارقة حقيقية في مواقف الطرفين . وموضوع تآكل القيم الأخلاقية يحتاج إلى دراسة ومراجعة جدية من قبل المؤسسات الفلسطينية ليس فقط للبحث في ما يمكن عمله للحد من هذا التآكل ولكن لضرورة فحص أدواتنا وطرق عملنا في أوروبا هذا إذا كنا نقوم بعمل حقيقي هناك، وهل سفراؤنا يقومون بما عليهم تجاه الحكومات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وهل جالياتنا تلعب أي دور للتأثير على الرأي العام ومواقف الدول المختلف فيما يخص الشأن الفلسطيني، وهل تقوم السفارات بدورها في تحشيد وتوحيد عمل الجاليات أم تساهم في تشتيتها وشرذمتها؟؟؟


في الواقع هناك خلل ليس فقط في القرارات والمواقف الأوروبية والدولية وان كانت لا تزال تؤيد حقوق شعبنا بصورة عامة، بل في عملنا مع المجتمع الدولي، وفي طريقة شرح قضايانا والترويج لموقفنا، فالمواقف التلقائية المؤيدة لحقوقنا لا تبقى على حالها إذا لم ترفد بالمزيد من الدعم والتأييد في كل المجتمعات. وهنا ينبغي أن يكون دور منظمة التحرير والسلطة وسفاراتنا وأحزابنا وجالياتنا وأشقائنا ومناصرينا. وهذا بحاجة لعلاج قبل أن يستفحل التوجه الدولي لقبول جرائم إسرائيل والتعايش معها ولومنا على مقاومة الاحتلال حتى لو بالكلمة والمسيرة واللافتة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد