قال أحدُ مُدمني شبكات التواصل الرقمية: «ألم تقرأ ما كتبت؟! بالأمس (سلختُ) جلدَ السياسيَ فلان» .
أضاف هو نفسُهُ:«إنْ لم يرتدع (سأخلعه بوست) صاروخي»!
قال رقميٌ ثانٍ، يقضي أكثر من ثلثي يومه يمارس عادة الحلم في أحضان الشبكة: «سأكتب مقالا يقلب الشبكة رأساً على عقب، نويت أن أكشف العورات والفضائح  الخطيرة من العيار الثقيل، انتظروني في (البوست) الجديد».
قال أحد المحسوبين على الثقافة الحزبية الرقمية: «سأكتب اليومَ مقالا عن أعضاء المكتب السياسي للحزب، (من قاع الدست)»!
قالت إحدى مدمنات الشبكة الرقمية، ممن تضع صورتها وهي في ريعان الشباب، بنشوة ممزوجة بالتعالي والكبرياء:
 «يتابعُ صفحتي الإلكترونية سبعةٌ وثلاثون ألف مُتابعٍ»!
أما الفتاة الهاربة إلى شبكة الإنترنت منذ مدة طويلة وحصلت على حق اللجوء، والغرين كارت في موطنها الفيسبوكي الجديد قالت:
«خلعتُ عددا كبيرا من زوَّار صفحتي (بلوكات)، فأنا أقوم في كل يوم (بتنظيف) صفحتي من الحثالات، والمتحرشين» !!
أما المنتقِم الرقمي الآخر فقد انتقل من حالة النشوة بسبب التعليقات المحشوة بكل أنواع الشتائم، إلى مطاردة أحد معارضيه السياسيين، قال: «أُقسمُ بحياة مارك زوكربيرغ أنني سأغلقُ صفحته الإلكترونية إلى الأبد» !!
انتقلتْ هذه الشبكاتُ الرقمية من حالة الإعلام، إلى حالة إدمان (الاعتقال اللذيذ) ثم إلى حالة الاستلاب الفكري والعقلي، وأسست نظام العصائب، على شكل (غروبات)، ليس للتواصل الاجتماعي، بل للثرثرة الرقمية، ثم أنامتْهم بمستحضراتها الإدمانية مستغلةً الجهلَ المتفشي بين الشعوب، وهروب الشعوب الفقيرة من الأنظمة الديكتاتورية، وحالة الإحباط، والفقر، والقهر التي يُعاني منها معظمُ شباب الدول الصغيرة والفقيرة.
هل سينجح عصرُ الرقميات في تغيير مفهوم البطولات؟ فقد كانت البطولة في العصر السالف تعني؛ التضحيةَ بالمال والنفس، أما في عصرنا الرقمي الراهن أصبحت البطولةُ تعني القدرة على التصدِّي (للهاكرز) وإبطال مخططاتهم، وإبداع برامج الجوسسة، والقدرة على استغلال نقاط ضعف المنافسين، أصبحتْ البطولة طاولة شطرنج رقمية!
نجحت الشبكات الرقمية كذلك، في صناعة نظَّاراتٍ خاصة لكل زبائن الشبكة، نظارات عجيبة، لا يرى فيها لابسُها إلا وجهه الشخصي، بعد نجاح منتجي شبكات التواصل الاجتماعية في استحداث برامجَ خاصةً للبراويز الشخصية، مثل عدد المعجبين، وأوصاف المديح، وتنبؤات المستقبل، والذكاء، وعلامات الحب والاستحسان، وهي في الغالب جُرعاتٌ مخدرة، غرضها إقصاء المدمنين عن واقعهم، وعملهم المنتج، وإبعادهم عن محيطهم الأسري والعائلي، ودفْعِهم إلى أن يعيشوا حياةً أخرى، ليست حياة الواقع، بل حياة الخيال !
أليس غريبا أن  يتغيَّر جوهرُ وسائلُ التواصل الاجتماعية في كثير من الدول الصغيرة لتصبحَ أكثر خطرا من الأمراض والأوبئة، ومن الزلازل والبراكين، فقد نشرتْ الإدمان، والإحباط، والغرور، والابتزاز، وعززتْ الحقد، والحسد، وشجعت التطرفَ والإرهاب ؟!!
هل ستصبح شبكاتُ التواصل الرقمية في الدول الصغيرة مستحضرات تنفيسية بديلا عن التشجيع العنصري لكرة القدم، حين يتحول التشجيعُ الرياضي من تشجيع ممتع بهيج إلى نعرات عصبية وعنصرية، واقتتال، وفوضى؟
هل صار هدفُ منتجات الشبكات الرقمية استدراج البشر إلى فخ الصيد، المتمثل في توسيع الشهوات، وابتداع أنماط جديدة لاستهلاك منتجات الصناعة غير الصحية، على حساب الثقافة والوعي، لغرض ترويج صناعات الغذاء والدواء؟!
إنَّ أهمَّ مشروعٍ لعلاج أعراض هذا الوباء يتمثل في قدرة الشعوب على إنتاج أدوية تتولى أولا نزعَ السموم والأضرار التي عَلِقت بوسائل الاتصال، ومِن ثَمَّ، تسخير هذه الوسائل في المجالات الثقافية، والفنية لتطوير المعارف، وتشجيع واستقطاب الكفاءات، وتبادل الخبرات حتى نُعيدَ الغايةَ الأساسية من استحداث وسائط التواصل الرقمية وهي غايةٌ سامية ملخصها؛ إنتاج الإبداعات، والنهوض بالإنسان في كل المجالات!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد