"أبغض الحلال" مؤشر يدق ناقوس الخطر في غزة
غزة / صبا الجعفراوي / سوا / لم تكترث المطلقة (ل،م) لخطر الموت من صواريخ الاحتلال الإسرائيلي أثناء خروجها من بيت زوجها فجر أحد أيام العدوان الإسرائيلي، هرباً من بطش والدته وظلمه لها بعد تعرضها للضرب والإهانة على أيديهم رغم حداثة زواجها، فبدل أن تعيش شهراً من العسل في بيت الزوجية وفي كنف عائلتها الجديدة، انغمست حياتها منذ شهورها الأولى بطعم الظلم والقهر.
أقامت صلاة الفجر ووظبت بعض ملابسها وخرجت من منزل زوجها الواقع في حي الشجاعية شرق غزة، وأصوات القصف والانفجارات تحيط بها، تحفها عناية الرحمن وحده من إصابتها بأي مكروه.
وتقول المطلقة (ل،م) -22 عاما- لـ"سوا" رغم خوفي من القصف والموت لكنني فكرت كثيراً ووجدت أن هروبي من ظلم "حماتي" أرحم لي بكثير من اهانتها وضربها لي، وتدخلها في شؤوني الخاصة مع زوجي، فلم أحتمل أن أعيش يوماً واحداً في منزلهم وخرجت لبيت أقاربي القريب من بيتي، ومن هناك أقلني والدي لمنزلنا.
وبعد تلك الليلة المشؤومة التي قررت فيها العشرينية أن تنفصل عن زوجها وتوكل محامياً لرفع دعوى تفريق، علمت بأنها تحمل في أحشائها جنيناً منه، الذي سيصبح ضحية انفصال والديه، وسيبصر النور بعيداً عن أحضان أبيه، كغيره من الأطفال الذين يقعون ضحية طلاق والديهم.
وعبرت العشرينية عن فرحتها بجنينها الذي ستلده بعد ثلاثة شهور رغم الغصة التي تشعر بها؛ لأن طفلها سيعيش بعيداً عن والده، ولكن ما بيدها حيلة فظلم والدته لها وضربها وعدم إبداء أي حسن نية من طليقها ليرجعها جعلها لا تفكر بالعودة له أبداً.
وتابعت (ل،م): "فكرت كثيراً بنظرة المجتمع لي بأني صغيرة في السن ومطلقة وحامل، خاصة أن مجتمعنا ذكوري ولا يرحم النساء، لكن لن أكترث كثيراً وكل ما أريده هو ضمان حق طفلي من والده ولا أنتظر سوى حكم وقضاء رب العالمين".
2014 أعلى نسبة طلاق
وسجلت نسبة الطلاق في قطاع غزة ارتفاعاً في عام 2014، حيث ذكرت إحصائية للمجلس الأعلى للقضاء الشرعي أن عدد حالات الطلاق كانت 2627 حالة، بينما حالات الزواج كانت 16128 حالة، وسجلت نسبة الطلاق إلى الزواج بعد خصم حالات الرجعة 16,3%، وهي النسبة الأكثر ارتفاعاً مقارنة بالسنوات الخمس الماضية.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الصعب الذي يعيش فيه قطاع غزة كان أحد الأسباب الرئيسة في ازدياد نسبة الطلاق، كما أوضح الأخصائي الاجتماعي والنفسي فضل أبو هين لـ"سوا".
وقال أبو هين "إن الظروف الصعبة التي يعيشها أهالي غزة نتج عنها نتائج كارثية، فالضائقة الاقتصادية والظرف الصعب مرتبط بشكل كبير في ارتفاع حالات الطلاق بالمجتمع.
وأشار الأخصائي إلى أن تدخل الأهل بأبنائهم يعتبر سبباً مهماً لازدياد حالات الطلاق، فلم يعد الشباب قادراً على الاستقلال في بيت الزوجية لوحده، ويضطر للرجوع إلى أهله والعيش معهم لتوفير ظروف معيشية أفضل لهم، وهنا تكون المشكلة في تعدد السلطات فصاحب العطاء هو المتحكم الأول والأخير مما يولد مشكلات كبيرة تؤدي إلى الطلاق في بعض الأحيان.
وحول امكانية الحد من ازدياد نسبة الطلاق، بيَّن أبو هين أنه الحل يكمن في زيادة الوعي في المجتمع، فمن الضروري أن يكون الزوجان لديهم وعي كامل ويتحملان المعيشة الصعبة وظروفهم النفسية ليجتازوا المرحلة بشكل أفضل.
وأضاف "على الآباء عدم التدخل في حياة أبنائهم وألا يفرضوا عليهم آراء واعتقادات قد تكون خانقة ومتحكمة فيهم".
وسجلت احصائية للمجلس الأعلى للقضاء، محافظة رفح كأعلى نسبة في حالات الطلاق حيث وصلت إلى 19.5% وهي النسبة الأعلى مقارنة بمحافظات القطاع، أما محافظة خانيونس فسجلت أقل نسبة حيث وصلت إلى 16.4%، أما محافظتي غزة والوسطى فكانت النسبة متقاربة ووصلت إلى 18%، بينما محافظة شمال القطاع فسجلت 17.8% في عدد حالات الطلاق.
وللوقوف أكثر على حالات الدعاوي في المحاكم الشرعية بغزة، قال المحامي إياد عاشور لـ"سوا" إن دعاوي الشقاق والنزاع من أكثر الدعاوي الشائعة في القطاع، أي أن الزوجة ترفع دعوى على زوجها بعد تعرضها للضرب والاهانة منه، وتأتي بعدها دعاوي التفريق للهجر والتعليق، وسببها هو عدم توفر مسكن شرعي مستقل للزوجة الذي كفله القانون والشرع لها.
وبين المحامي عاشور أن سوء الوضع الاقتصادي والحالة النفسية للمواطنين خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير أثرت على العلاقة والنسيج الاجتماعي بشكل كبير جداً، مضيفا "غالبية المشاكل التي تمر علينا يكون سببها الوضع المادي السيء، وعدم مقدرة الزوج أن يستقل في بيت وأن يصرف على زوجته وهو الأمر الذي حفظه الشرع والقانون لها."
وتابع المحامي أن هناك 11 نوعا من دعوى التفريق أكثرها تكون دعاوي الهجر والتعليق والشقاق والنزاع، والتي جميعها تضمن حقوق الزوجة المالية بعد الطلاق.
وأظهرت الإحصائيات أن نسبة الطلاق ما قبل الدخول وصلت إلى 40% بينما الطلاق ما بعد الدخول وصلت إلى 60%، وأشار عاشور إلى أن ارتفاع عدد حالات الطلاق قبل الدخول أي في فترة الخطبة يكون سببها الرئيسي الوضع المادي الصعب، وعدم مقدرة الزوج أن يدفع تكاليف الزواج كاملة في ظل المتطلبات الكثيرة التي تحتاجها الزوجة.
الوضع الاقتصادي الكارثي والعدوان الإسرائيلي المتكرر على الغزيين أثر بشكل كبير على الوضع النفسي والحالة المادية للكثير من العائلات، الأمر الذي انعكس سلباً على الأزواج وأدى إلى ازدياد نسبة الطلاق بينهم، ولا يلوح في الأفق أي حل لتحسين الوضع الصعب، فإعادة إعمار ما دمره الاحتلال متوقف، والمصالحة الوطنية الفلسطينية التي ستساعد على تحسين وضع غزة باتت بعيدة في ظل المناكفات والخلافات التي نشهدها في الآونة الأخيرة.