يتذكر بعض المؤسسات الصحافية، أن ثمة يوما يحتفل فيه العالم بحرية الصحافة وبعضها يعبر عن اهتمامه من خلال نشاطات متواضعة، لكن السلطات ليس في أجنداتها صرف ولو قليلا من الاهتمام بمثل هذه المناسبات ـ الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت العام 1993 قراراً، باعتبار يوم الثالث من أيار كل عام يوماً للاحتفال بحرية الصحافة. هل على الصحافيين الفلسطينيين أن يحتفلوا، إن لم يكن الأمر، استجابة لقرار أممي، وبأمل أن يكون وضع الصحافة والحريات، ما يجعل الاحتفال حقيقياً وممكناً. 


البيانات التي تصدر بشكل فوقي من الفصائل، والسلطات، والناطقين الرسميين، تتخذ طابعاً دعائياً، وتقليدياً، لكنها أبداً لا تعكس واقع حال الصحافة والصحافيين.


بصراحة في يوم حرية الصحافة، لا يمكن الحديث عن احتفالات، فليس ثمة ما يستحق الاحتفال، بينما تستمر كل أنواع وأشكال الانتهاكات بحق الصحافيين.


لست بصدد تقديم كشف حساب، فهذا أمره منوط بالهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وبمنظمات حقوق الإنسان، ولكن ليس نقابة الصحافيين مثلاً، لأن جردة الحساب مخجلة بصراحة. الصحافة الفلسطينية لا تزال تصنف إسرائيلياً كقوة معادية، ولذلك، فإن الصحافيين الفلسطينيين، يتعرضون لأشكال عديدة من التعسف. 


لا يسمح للصحافي بالتنقل لتغطية الأحداث، وتصادر ممتلكاته وأدواته، أو يجري تكسيرها، في مرات كثيرة.


ممنوع على الصحافة في قطاع غزة ، أن تستورد أدوات الحماية والسلامة من دروع وخُوَذ واقية، حتى يكون الصحافي مكشوفاً للقناص الإسرائيلي. 


شهيدان سقطا، وهما يغطيان أحداث مسيرات العودة، وعدد كبير من المصابين فضلاً عن آخرين أسرى في سجون الاحتلال، أو يقبعون في سجون السلطات الفلسطينية.


إذا كانت إسرائيل، معروفة كعدو للشعب الفلسطيني، ولا تتوقف عن ارتكاب أبشع الجرائم بحقه، سواء كان صحافياً، أو طبيباً أو مسعفاً، شاباً، أو شيخاً، رجلاً أم امرأة، فإن ذلك جزء من طبيعة الصراع، وجزء من ضريبة الحرية، لكن الاعتداء على الحريات الصحافية والصحافيين من قبل السلطات الفلسطينية، فذلك جزء من تكاليف الانقسام، ومؤشر آخر على الوهن، وتراجع مؤشرات الديمقراطية.


من المهم، أن تقوم الصحافة الفلسطينية والمؤسسات المتخصصة بملاحقة الانتهاكات الإسرائيلية، وتقديم الحقائق للمجتمع الدولي، خاصة أن مؤسسات العدالة الدولية، مقصّرة بل عاجزة عن حماية قرارات الجماعة الدولية، وعاجزة عن تقديم المساعدة للضحية. يحتاج هذا التوجه إلى عمليات تنسيق وتشبيك وتكامل بين المؤسسات ذات العلاقة وتحتاج إلى دعم من المؤسسات الوطنية الجامعة، حتى تنجح في تحقيق عملية التغيير المتدرج لوعي المجتمع الدولي إزاء حقائق الصراع.


هذا يفترض ابتداءً أن تمتنع السلطات في الضفة وغزة، عن انتهاك حريات الصحافيين، والامتناع عن مصادرة وأحياناً سرقة بعض الأدوات الخاصة بالشركات الإعلامية، أو بالفضائيات.


السجل بصراحة خلال العام المنصرم وما مر من هذا العام، يثير الخجل ولا يسمح للصحافيين بأن يحتفلوا. 


الانقسام لعب كما العادة دوره في الكشف عن تأثير استمراره على سلوك الأطراف بعضها ضد المحسوبين على الطرف الآخر.


في هذا العام، قامت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، بانتهاك فظيع، واعتداءات، قاسية بحق العديد من الصحافيين، خلال حراك "بدنا نعيش" ضرب وتكسير أدوات، واستدعاءات وتحقيقات، وحبس، وتهديدات طالت عدداً ليس قليلاً من الصحافيين، بذريعة أن ما يقومون به هو تشويه للوضع، وحيث إن مؤامرة تقف وراء حراك "بدنا نعيش".


قبل ذلك وأيضاً بما له علاقة بالانقسام، جرى الاعتداء على مقر الهيئة العامة لتلفزيون فلسطين في غزة، وتدمير الكثير من معداته ومحتوياته فيما يستمر حتى الآن تقييد حرية مراسلي التلفزيون، وتحديد مجالات حركتهم وتغطياتهم.


ومن أبرز الأحداث، قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف مقر فضائية "الأقصى"، وتسويته في الأرض، ظناً منه بأنه ينتقم، من ذلك الصوت أو قادر على منعه من الصعود إلى الهواء.


بصراحة، أينما تتوفر التعددية الفكرية والسياسية والاجتماعية والحزبية وحتى الطائفية، فإن ذلك يشكل أساساً لمزيد من الإبداع، شرط أن يكون محكوما لقواعد ديمقراطية، تحترم وتصون الحق في الاختلاف، وأن ينضبط لسيادة القانون. 


المشكلة هي في أننا كمجتمع فلسطيني يفتخر بهذا القدر الواسع من التنوع، والاختلاف، لكنه في حالتنا، وبسبب الانقسام، فإن هذا التنوع، يخدم إعادة تصدير خطاب الانقسام، وانتهاك حرية المختلفين.


ثمة طيف واسع من الفصائل والأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية لكنها في حالة تشرذم، ومحكومة لحسابات فصائلية، تضيق المساحة المتاحة أمام حرية التعبير. في الأخير، فإن ضعف نقابة الصحافيين، يشكل جزءاً أساسياً من المشهد، من حيث إنها لا تملك تأثيراً قوياً ونافذاً على السلطات، ولا هي أيضاً تعبر عن وحدة المجتمع الصحافي بأكمله في ضوء مفاعيل الانقسام على الجسم الصحافي. 


وأخيراً، فإن تجاوز النقابة لموعد الانتخابات، والذي مضى عليه أربع سنوات، بعد الأربع سنوات القانونية، يجعلها لا تختلف كثيراً عن بقية الأجسام المجتمعية، والنقابية، التي تواجه تداعيات الانقسام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد