ما هي خيارات السلطة في ظل استمرار حجز أموال المقاصة؟

غزة / خاص سوا/ تستمر معاناة الموظفين الحكوميين يوماً بعد يوم في ظل استمرار أزمة صرف الرواتب لموظفي الحكومة الفلسطينية في رام الله ، والناتجة عن احتجاز إسرائيل لأموال الضرائب والمقاصة وعدم تسليمها للسلطة بسبب اتخاذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس قراراً بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي لمحاكمة الاحتلال على جرائمه بحق الفلسطينيين.


الأزمة التي أثرت بشكل كبير على كافة القطاعات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية وأدت إلى مزيد من احتدام الوضع السيئ في قطاع غزة، والذي تشهد أسواقه انتعاشاً جزئياً مع صرف رواتب الموظفين الحكوميين والذين تلقوا 60% من رواتبهم الشهر الماضي، يتوقع محللون سياسيون واقتصاديون أن لا تدوم طويلاً.


المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة يرى أن أزمة احتجاز أموال الضرائب "المقاصة" من قبل السلطة لن تدوم طويلا، متوقعاً أن تعود الأموال المحتجزة خلال الفترة المقبلة، وعلى أبعد تقدير بعيد الانتخابات الإسرائيلية المتوقع إجراءها في مارس المقبل.


ويوضح أبو سعدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى من خلال احتجاز أموال الضرائب وعدم تسليمها للسلطة، إلى الظهور كصقر من الصقور السياسيين في إسرائيل حتى يتم إعادة انتخابه مرة أخرى.


وحول الخطوات التي من الممكن أن تتخذها السلطة على الصعيد السياسي يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر أن على السلطة القيام بحملة دبلوماسية للضغط على الإسرائيليين من خلال شركاءها الدوليين في الولايات المتحدة وأوروبا.


ويشير أبوسعدة إلى الدور الذي من الممكن أن تلعبه دولة إقليمية كمصر في لعب دور وسيط بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة من أجل إعادة أموال المقاصة.


ودعا أبو سعدة القيادة الفلسطينية إلى ضرورة التحرك على المستوى القانوني، لمقاضاة إسرائيل لعدم تسليمها أموال الضرائب والمقاصة، مشيراً إلى إمكانية التوجه إلى مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية للبت في ذات القضية.


أما بخصوص تلويح السلطة بخيار حلها بين الفينة والأخرى، يوضح أبو سعدة بأن قرار حل السلطة الفلسطينية بات مطلباً للعديد من القيادات الإسرائيلية التي تدعو للسيطرة على الضفة الغربية، مشيراً إلى أن ذلك سيعد مكسباً إسرائيليا.


وفيما يتعلق بقطاع غزة، يرى أبو سعدة أن إسرائيل تعتبر نفسها غير مسئولة عن قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005.
ودعا أبو سعدة إلى الاستعاضة عن خيار حل السلطة بحلول أخرى من بينها وقف التنسيق الأمني وتفعيل المقاطعة الاقتصادية الرسمية لإسرائيل، موضحاً أن ذلك سيكون ذا جدوى اكبر من خيار حل السلطة.


السلطة بحاجة لنظام مالي سليم


من جانبه، أكد محمد مقداد أستاذ علم الاقتصاد بالجامعة الإسلامية أن الأصل أن لا تعجز الحكومة في ظل وجود نظام مالي سليم، موضحاً أن النظام المالي الفلسطيني تشوبه الكثير من العيوب بسبب ما وصفها ضعف الاتفاقات السياسية في ذات المجال.


وأشار إلى أن مشكلة السلطة تتمثل في التبعية الاقتصادية الكاملة لإسرائيل بسبب ضعف الاتفاقيات الموقعة على صعيد اتفاقية باريس الاقتصادية واتفاقية أوسلو التي جعلت إسرائيل تتحكم بكافة الأموال الواردة للسلطة الفلسطينية.


وأشار إلى أن تلك الاتفاقيات نتج عنها سلطة بأدوات مكبلة، وهي لا تمتلك أدنى مقومات السيادة على الصعيد الاقتصادي حيث لا تمتلك عملة وطنية وسياسات المال مقيدة وبالتالي نعجز عن إيجاد حلول فورية بديلة للسلطة.


وعن إمكانية تعويض النقص الحاد في ميزانية السلطة جراء تجميد إسرائيل لأموال المقاصة الضرائب، قال مقداد إن الدعم المالي الدولي المقدم للسلطة يأتي بالعادة مرتبط بشكل مباشر بالسياسات التي تريدها تلك الدول من المعروف أن لكل تمويل دولي " استحقاقات وشروط".


واستدرك مقداد رداً على إمكانيات عدم تكرار الأزمة في المرحلة المقبلة قائلاً: " لابد من إيجاد حلول إبداعية لمشكلة السلطة المالية خاصة ما يتعلق بأزمة رواتب الموظفين وذلك من خلال العمل على الحد من مشكلة التضخم الاقتصادي في حجم الوظائف الحكومية".


قرارات صعبة ولكن مجدية


وبين مقداد ضرورة اتخاذ السلطة قرارات صعبة بخصوص التضخم الوظيفي في مرافقها والذي أدى إلى "البطالة المقنعة" وعدم عمل الكثير منهم على حد تعبيره.


كما دعا إلى ضرورة أن تلجأ السلطة إلى إلغاء كافة الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع الجانب الإسرائيلي من خلال التواصل مع الدول الضامنة والراعية للاتفاق، مؤكداً أن من حق السلطة إلغاء تلك الاتفاقيات في ظل الخرق الواضح من قبل إسرائيل لتلك الاتفاقيات.


وأشار إلى أن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية للتخلص من هيمنة إسرائيل وتحتاج لقرارات وتضحيات للحصول على الاستقلال.


وتحتجز إسرائيل أموال السلطة مع كل أزمة سياسية تمر بها العلاقات بين الطرفين، حيث احتجزت أموال الضرائب من قبلها في العام 2000 على اثر اندلاع انتفاضة الأقصى، وفي العام 2006 بعد نجاح حركة حماس في الانتخابات، بالإضافة إلى العام 2012 بعد الاعتراف بدولة فلسطين من قبل الأمم المتحدة.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد