يأتي الخبر الفلسطيني على شاشات التلفاز العربية في المرتبة قبل الأخيرة إن لم يكن الأخير، فقد اختفت الأولوية وغابت في بعض الأحيان نتيجة احتدام الصراع الإقليمي العربي وتغير المواقف وتبدلها، وغابت الفاعلية الواضحة للتعاطي مع الخبر الفلسطيني في الصحف والفضائيات العربية، لصالح الصراعات الإقليمية والعربية والدولية، فحسب التوزيع الجغرافي والتقاسم السياسي للقوى العظمى وتوزيع الأدوار في التغطيات الإعلامية للخبر العربي، فقد انشغلت مؤخراً الفضائيات العربية والعالمية، بتغطية الشأن السياسي الجزائري ومن ثم الليبي وأخيراً الشأن السوداني، فيما تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية ومسارات التسوية مع الاحتلال الإسرائيلي، لصالح الترويج ل صفقة القرن من جانب، والتفاهمات التي تبرمها حركة حماس وأطراف فلسطينية ودولية من أجل كسر الحصار عن قطاع غزة ، من جانب اخر.

إلا أن واقع التصعيد الأخير في قطاع غزة، قد غير بعض الشيء من المعادلة، فقد احتل الخبر الفلسطيني المرتبة الأولى بعد شن غارات إسرائيلية قاتلة على مواطني قطاع غزة، ما ألحق خسائر فادحة في ممتلكات المواطنين وسقط منهم 27 شهيداً وعشرات الجرحى، ترافق ذلك مع وجود وفدي حركتي حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة، وقد تمت مفاوضات تثبيت تفاهمات كسر الحصار، تحت وابل النيران، وهي الخطوة المكررة في المفاوضات الأخيرة منذ عام 2014م، بين الاحتلال الإسرائيلي وقوى المقاومة الفلسطينية في غزة، حيث تجري تلك المفاوضات من أجل التوصل لوقف اطلاق النار تحت تهديدات القصف والقصف المتبادل.

تنساق التهم وتتبادل الأدوار بعد كل جولة من التصعيد، بأنها قد تمنع تنفيذ صفقة القرن، وأنها موجه جديدة من القتال لتحسين شروط الحياة في قطاع غزة، يجد فيها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة نفسه أمام استحقاق دموي من أجل تحسين شروط حياته، ومن أجل نيل مطالبه الإنسانية والاقتصادية، في الوقت الذي تنشغل فيه الاسرة الدولية والمنظمات الحقوقية ببيانات الإدانة والشجب والاستنكار لاستخدام إسرائيل القوة المفرطة بحق المدنيين في قطاع غزة، وتتغافل تلك المؤسسات والمنظمات عن تحميل المسئول الأول ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي مسئولية تردي الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والمعيشية في القطاع.

مؤخراً ظهر جاريد كوشنير مبعوث الرئيس الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط على شاشات التلفزة وقال في لقاء تلفزيوني له، أمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، "نحن نريد أن نصل الي نتائج وليس الي تعقيدات، والتركيز على حل مفيد وأن يكون هناك حل عملي، ولكن ما سنقوم به هو عمل جديد مبتكر، مختلف عن الماضي".

ويذهب كوشنير الي الحلول الاقتصادية بعيداً عن الحقوق السياسية للفلسطينيين، حيث نسف كوشنير المطالب الفلسطينية باعترافه مجدداً بأنه من دعم خطة نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الي القدس واعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل.

المحاولات الامريكية والإسرائيلية لتسخير وسائل الاعلام لخدمة تفاصيل صفقة القرن، بطابعها الإنساني والاقتصادي، بعيداً عن الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، هي بمثابة رصاصة الرحمة على مشروع أوسلو أولاً، ومن ثم القضاء على فرص حل الدولتين، وخديعة كبيرة يتم ترويجها للعالم بأن أصول الأزمة في الأراضي الفلسطينية هي أزمة إنسانية واقتصادية وليست أزمة سياسية.

حتى اللحظة تبدو أن كافة المحاولات لترميم جدران القضية الوطنية الفلسطينية والحفاظ عليها تبدو مهمة صعبة، في ظل تناحر أطراف الحكم ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ظل مؤشرات دولية توحي بحل إقليمي للقضية الفلسطينية على حساب التوافق الفلسطيني المشرذم، بينما تنشغل قيادات فلسطينية رغم كل ذلك ورغم التحديات والتهديدات بتصفية القضية الفلسطينية واختزالها ببعض الدولارات وربطات الخبز، إلا أنها لا تزال تعيش في عصر المناكفة السياسية والمغامرات الحزبية والنظرة الضيقة التي تزيد من واقع التشرذم وت فتح الباب أمام الحلول الإقليمية لتفرض نفسها على الطاولة الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد