انتهت الجولة الجديدة من المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة التي اندلعت يوم الجمعة الماضي بعد قنص جنديين إسرائيليين على الحدود مع غزة وقيام إسرائيل بقصف مواقع فلسطينية وقتل وإصابة مقاومين فلسطينيين، وأدت حصيلة هذه الجولة إلى سقوط شهداء وجرحى، وبلغت حصيلة المواجهات 27 شهيداً فلسطينياً وأكثر من 170 جريحاً حسب آخر إحصاء لوزارة الصحة الفلسطينية مع احتمال ازدياد عدد الشهداء نظراً لأن إصابات عدد منهم بالغة الخطورة، وفي الجانب الإسرائيلي سقط أربعة قتلى وأكثر من 150 جريحاً، بالإضافة إلى تدمير 130 بيتاً فلسطينياً بصورة كاملة وتضرر 700 بيت بصورة جزئية. وفي إسرائيل هناك أيضاً بعض الدمار وإن كان بصورة اقل بكثير مما هو لدى الجانب الفلسطيني. ويمكن القول أن الوضع في نهاية هذه المواجهات عاد إلى نقطة البداية وإلى نفس التفاهمات التي كانت قائمة قبل التصعيد الأخير، وكأن الهدف هو تنشيط الذاكرة وإعادة الملف إلى الصدارة دون تغيير جدي في صورة الوضع القائم أو في المعادلات التي لم يطرأ عليها أي جديد.


تقول إسرائيل الرسمية أنها ضربت الفلسطينيين بشدة وأوقعت عدداً كبيراً من القتلى في صفوف المقاومين وضربت أهدافاً مهمة لحركتي « حماس » و»الجهاد الإسلامي» بصورة تختلف عن كل المرات التي حدثت فيها مواجهات مسلحة منذ حرب عام 2014، في حين تقول أوساط المعارضة الاسرائيلية وعدد لا بأس به من المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل إن الأخيرة فقدت قوة الردع، وأن «حماس» هي من يقرر قواعد الاشتباك في البدء وإنهاء المعركة، وهي من اختار التوقيت ونجحت في فرض واقع غير مقبول على إسرائيل، وأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يدير المواجهة بصفته وزير الدفاع ورئيس الوزراء كان ضعيفاً ومتردداً ولم يذهب للحسم مع «حماس»، بل أن يائير لبيد من كتلة «أزرق- أبيض» المعارضة لخص ما فعله نتنياهو في هذه الجولة بأنه «استسلام وجبن وعار» من وجهة نظره. 


ويتضح من خلال التسريبات الإسرائيلية عن اجتماعات الكابينت بأن رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال أفيف كوخافي ورئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» نداف أرغمان أوصيا بعدم الانجرار إلى التصعيد والذهاب إلى حرب واسعة باعتبار أن «حماس» هي التي تقود زمام المعركة. وأوصيا بأن تبدأ إسرائيل معركة ضد «حماس» بمبادرتها وفي الوقت الذي تحدده هي.  والتقديرات الأمنية تشير إلى أن الوضع سينفجر بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، بدون التوصل إلى اتفاق طويل المدى مع «حماس».


من الواضح أنه في جولة المواجهة الجديدة كان الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي يلعبان في حدود الخطوط الحمر لكل منهما ولم يتجاوزاه، وكما وصف ذلك أحد المعلقين الإسرائيليين مفاوضات بالنار على التسهيلات في غزة. فالخط الأحمر الإسرائيلي كان قصف تل أبيب، والفصائل الفلسطينية لم تفعل ذلك، والخط الأحمر الفلسطيني هو اغتيال قيادات فلسطينية والمساس بالكوادر بدرجة أساسية وإسرائيل نفذت اغتيالاً واحداً فقط كمؤشر لما يمكن أن تقوم به إذا تطورت المواجهة، وفي النهاية بقي الطرفان في الدائرة الحمراء ولم يخرجا.
ولكن هذه الجولة انتهت إلى حقيقة واضحة تقول إن الوضع سيبقى على حاله مع تحسن طفيف بدون أي تغيير جوهري، ما ينذر بتجدد المواجهات في الفترة القريبة، لأن إسرائيل ليست مستعدة للذهاب بعيداً في التسهيلات أو تحسين شروط الحياة في غزة، وهي قد لا تستطيع تلبية كافة مطالب الفصائل التي لم تعد تطلب الكثير فعلاً مقابل التهدئة لأسباب كثيرة منها ملف الأسرى. وبالرغم من أن نتنياهو يريد الإبقاء على الوضع الراهن في غزة مع حد أقصى من الهدوء لاستكمال مشروعه الرئيس في الضفة الغربية و القدس المبني على الاستيطان والتهويد والضم، إلا أن بعض المحللين لا يستبعدون لجوء إسرائيل إلى حرب شاملة على غزة هذا الصيف، حرب تبادر لها إسرائيل وتنتهي باجتياح بري لمناطق واسعة في قطاع غزة. ولكن هذه الحرب ستتطلب تغييراً في الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة، وتجاه الحفاظ على الانقسام وتكريسه وتغذيته كما تفعل إسرائيل اليوم.


ونحن على جانبنا بعد إعلان «الانتصار» على العدو، سنرجع إلى واقع مأساوي مؤلم يعيشه قطاع غزة لا يمكن أن ينتهي إلا بعودة السلطة الوطنية للقطاع وبوحدة فلسطينية شاملة. وتفاخرنا وتغنينا بشهدائنا وبالدمار الذي يلحق بنا والذي يفاقم أوضاع أهلنا في قطاع غزة لن يقود سوى إلى المزيد من المعاناة والألم وتوفير الشروط لمرور المخطط الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية. والنصر الفلسطيني الحقيقي هو بانهاء الانقسام وتوفير شروط الصمود للشعب في أرض وطنه، واعتماد خطة سياسية نضالية للتصدي للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي المجرم الذي يستهدف حقوقنا المشروعة في الحرية والاستقلال فوق أرض وطننا المحتل. فلنفكر في خطوة واحدة تحقق لنا أكثر بكثير من مطالب الفصائل بعد معركة دموية وخسائر باهظة، وهي توحيد شقي الوطن، وتوحيد القيادة والأدوات السياسية والتي يمكن أن تشكل الانتخابات المدخل الصحيح لها. هذا هو الانتصار الحقيقي على الاحتلال وبداية الطريق نحو الحرية، وليس إنجاز بعض التسهيلات التي تكرس واقع الانقسام المأساوي حتى لو كانت تشتمل على تحسين بعض شروط الحياة للمواطنين الغزيين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد