اجتمع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مرتين متتاليتين خلال الأسبوع الماضي مع وزير ماليته موشيه كحلون، ليس من أجل التباحث حول انضمام الثاني إلى الحكومة الخامسة لنتنياهو، كما شاع في بداية الأمر، ولكن لتدارس الطريقة التي من شأنها نزول إسرائيل عن شجرة رفضها تحويل أموال المقاصة كاملة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك بحجب مبلغ مقداره 11 مليون دولار شهرياً من الدفعات المالية لحرمان السلطة من إسناد أهالي الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وذلك بعد رفض السلطة تسلم هذه الأموال ناقصة، وعلى الأغلب، فإن نتنياهو، أخطأ التقدير، معتقداً أن السلطة تتخذ قرارها برفض تسلم أموال المقاصة ناقصة، لأسباب تكتيكية دعائية، ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى السلطة "سرّاً" فأودعت الأموال ناقصة في البنوك الفلسطينية، على أمل أن تتلقاها السلطة دون أي ضجيج، إلاّ أن ما حدث هو عكس ذلك، فقد رفضت السلطة تسلُّم هذه الأموال الناقصة، بل أعلنت أن موقفها إزاء هذا الأمر مبدئي تماماً، وفضحت قيام إسرائيل بدفع الأموال الناقصة بشكل سرّي!


وقبل أيّام، احتجّت فرنسا على القرار الإسرائيلي بقرصنة أموال الضرائب الفلسطينية، ولكون تنظيم أموال المقاصة جاء في سياق بروتوكول باريس الاقتصادي الملحق باتفاق أوسلو، فإن فرنسا رأت من واجبها التحذير من مخاطر الخطوة الإسرائيلية، إلاّ أن نتنياهو قام بنفسه بالردّ على الاحتجاج الفرنسي، مشيراً إلى أن طلب فرنسا العودة عن القرار الإسرائيلي بهذا الشأن، غير صائب من الناحيتين الأخلاقية والسياسية! وكان بإمكان نتنياهو وحاشيته العودة عن القرار المذكور، والنزول عن الشجرة "تلبية لاحتجاج فرنسا والحلفاء الأوروبيين" غير أنه من جديد، أخطأ في التقدير، ووقع في فخّ أبو مازن، الذي اتخذ موقفاً منسجماً مع ما أعلنه علناً، وهو رفض أي أموال ناقصة بدون إعادة ما تم الاستيلاء عليه منها.


حسب محرّر الشؤون الفلسطينية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ليئور ليفي، فإن محمود عباس قرر "إغراق السفينة ببطء" لدفع إسرائيل لتحمُّل مخاطر انهيار السلطة، كما جاء في تصريح للمبعوث الدولي ملادينوف مؤخراً حول تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل خطير في الضفة الغربية وقطاع غزة ، بينما وصف المحلّل الأمني للتلفزيون الإسرائيلي روني دانيل، القرار الإسرائيلي بأنه "خطوة بلهاء" وأن أبو مازن أعدّ نتنياهو والحكومة الإسرائيلية كتلاميذ ليدرسوا في مدرسة السياسة.


على إسرائيل الآن، العمل على إنقاذ السلطة من الانهيار، فبعد اتخاذها قرار اقتطاع "رواتب المخربين" من أموال المقاصة، فإنها تدرس الآن، بكل جدية كيف يمكن "مساعدة" الفلسطينيين على الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها، بعدما وصلت كافة الحلول إلى طريق مسدود، وهي بهذه المساعدة، فإنها تستجيب لمخاوف كبار قادة الأمن والجنرالات الذين وصفوا هذا القرار "بالأخرق" حسب التلفزيون الإسرائيلي، لأن البديل عن السلطة وأبو مازن في الضفة الغربية، حركة " حماس " التي تتلقى بالمقابل دفعات مالية منتظمة من قطر بواسطة إسرائيل!


وقد يشكل مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في بروكسل، يوم أمس، فرصة أمام إسرائيل لدعوة الدول الأعضاء على تحمُّل مسؤوليتهم وإقناع السلطة بتسلُّم الأموال منقوصة، إضافة إلى دعوتها لهذه الدول لتقديم المزيد من الأموال والدعم لعدة مشاريع للبنية التحتية لصالح السلطة الفلسطينية. وترجح بعض التقديرات، أن الدول المانحة قد تدعو فعلاً السلطة لتسلُّم الأموال ناقصة "إلى أن يتم حل الأزمة" وإذا ما وافقت السلطة على هذه الدعوة، فإنها بذلك تساهم في إفلات نتنياهو من الفخّ!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد