لكي نفهم ما يجري في مصر، علينا معرفة حقيقة ما يبيت لهذا البلد، الذي شكّل عبر التاريخ عاملا مركزيا في تحديد مصير المنطقة العربية كلها وإفريقيا والعالم الإسلامي.
فمصر تخوض حربا تتحدد على نتائجها مصائر كيانات وشعوب، لهذا ينبغي عدم النظر إلى ما يجري بصورة مجتزأة كما ينبغي ألا تهزنا أحداث كان يجب توقعها وعدم المفاجأة بها، وإذا كانت مصر صاحبة عبقرية المكان، قد تعرضت على مدى أعقاب التاريخ إلى حروب وغزوات ومكائد ومؤامرات، إلا أن أكثر الحقائق سطوعا وديمومة، أنها بقيت كما هي كيانا قويا دون أن يضعف دورها أو تهتز مكانتها، لهذا ونحن نشعر إنسانيا بالحزن على فقد ضباط وجنود ومواطنين مصريين، إلا أننا بالمقابل نراهن على أن ما يجري هو باللغة العسكرية "تطعيم بالنار"، ومعنى هذا المصطلح هو التدرب على أداء المعارك بصورة فعالة، حتى لو تمت خسارة بعض الجنود والضباط في عمليات التدريب.
إن الشعوب والكيانات الحية، تتخذ من الأحداث دروسا يستفاد منها لتقوية الذات ودرء الخطر، وهذا ما يبدو أن مصر سائرة عليه من خلال الترتيبات التي تتخذ لتحصين الجبهة والوطن، وتقويض أي رهان للقوى المعادية بإضعاف هذا البلد وإخضاع المنطقة بأسرها.
وإذا كانت الترتيبات المصرية العسكرية والتنموية تبدو قوية ويفترض أن تكون ناجعة، فإن أهم متطلبات نجاحها هو إنهاء أي مظهر من مظاهر الاسترخاء، فمن غير المسموح به تحت ضراوة هذا النوع من الحرب المفروضة على مصر، النوم على حرير انجازات تحققت أو التصرف كما لو أن الهدوء حتى لو طال أمده هو نهاية الحرب.
إن الوضع الجديد في مصر لم يتسلم بلدا معافى من الخلل، فكل شيء في هذا البلد كان بمثابة مشكلة تكاد تكون مزمنة، ولا شك أن التصدي لقيادة هذا البلد في هذا الوقت بالذات هو تصد لمعركة بالغة التعقيد، أبرز خصائصها، أن القيادة تخوض سباقا مريرا مع قوى التعطيل الداخلية والخارجية، وهذا ما يضاعف التحديات، ويجعل من بلوغ النتائج المرجوة رهانا بعيد المدى، وما يدعو للثقة ونحن حيال معركة حسمها يعني حسم اتجاه المنطقة بأسرها.
إن مصر تجاوزت محظور الفوضى والانهيار، بل أنها جعلت انهيار مخططات الخصوم هو الأكثر وضوحا، وهذا الذي تحقق هو الأرض الصلبة التي تقف عليها مصر ويقف عليها رهاننا فيها وعليهاـ فلا خوف على مصر بعد أن تجاوزت القطوع المهلك الذي حفر لها محليا وعالمياـ لأن كل ما سيأتي سيكون أهون بكثير من كل ما مضى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية