إعلان الإدارة الامريكية نقل سفارتها للقدس المحتلة، ووقف مخصصات الأونروا ، واغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، خطوات تدين السياسة الأمريكية ذاتها، ومواجهتها يجب أن تكون عبر المجتمع الأمريكي، أولا بوصفها انقلاب على السياسة الخارجية لأكبر دولة في العالم، وتتطلب مواقف واضحة من المسؤولين السابقين الأمريكيين الذي فشلوا في رعاية مثمرة لعملية السلام التي بدأت في البيت الأبيض ولن تنتهي فيه.
الوجه الثاني للقرارات الأمريكية أنها تمثل اعتداء أحادي وسافر على جملة من القرارات المتوالية للمجتمع الدولي ومؤسساته، والتي فشل المجتمع الدولي خاصة الدول العظمى المُمثلة في مجلس الأمن من تحقيق الإرادة الدولية عبر تطبيق كل القرارات التي تحفظ الأمن والسلم الدوليين، وتثبيت حل عادل للقضية الفلسطينية، لذلك تعد قرارات الرئيس ترامب وفريقه صفعة للمجتمع الدولي قبل أن تكون اعتداء على الحقوق الفلسطينية المُقرة دولياً.
الوجه الثالث للإجراءات الامريكية الأحادية أنها تعد اعتداء واضح على الحقوق العربية بداية من القدس إلى هضبة الجولان، قرارات تشكل خطر على العلاقات العربية- الأمريكية مستقبلا، وإحراج للدول العربية يدفعها لكسر التحالف مع الولايات المتحدة لصالح علاقة متوازنة مع الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا هو أمر بدأ بخطوات واضحة.
كذلك المنظومة الإسلامية التي اجتمعت في السعودية في قمة كان ضيفها الرئيس ترامب، مدعوة اليوم لإجراء مراجعات للقرارات والإجراءات المشتركة مع الإدارة الأمريكية، التي لم تأبه بالمواقف والمشاعر الإسلامية عندما قامت باعتداء سياسي واضح من خلال نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة.
صفقة القرن التي يتعامل معها فريق ترامب كأنها "خلطة سرية" في طريقة أقرب لأسلوب الهواة، وهو أمر يؤكده ماضي الفريق من الرئيس بوصفه رجل أعمال سابق، حتى السفير الأمريكي في تل أبيب، الذي يبدو أنه مسلوب العقل والإرادة أمام نتنياهو، بما يمس مصالح ومظهر الادارة الأمريكية.
بالنسبة لنا كفلسطينيين فقد عبر الشاعر والمفكر الراحل محمود درويش عن وعينا للإدارة الأمريكية عندما قال كنا نقول "أمريكا وإسرائيل" والآن رفعنا "واو" العطف بينهم، لذلك معركتنا الأساسية هي منع تكرار نقل سفارات دول أخرى حتى تبقى الإدارة الأمريكية معزولة بسبب انحيازها لحكومة الاحتلال، قوة عظمى لا تستطيع اقناع أي دولة في العالم بخطوة مماثلة، كما جرى خلال التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين لم تفلح التهديدات الأمريكية ضد من يصوت لصالح الحقوق الفلسطينية.
القضية الفلسطينية أهم وأعرق من كل الحكومات الامريكية، والتحدي الفلسطيني قائم ويكبر في مواجهة إدارة ترامب، عبر التمسك بوقف رعايتها المنفردة لعملية السلام العربية – الإسرائيلية، لأن القيادة الفلسطينية وخلفها الموقف العربي انتقل من الشك إلى اليقين بعدم نية الولايات المتحدة إحلال السلام، وهو أمر يهدد المصالح الأمريكية ويهدد أيضا المجتمع الإسرائيلي.
الموقف الفلسطيني برفع الرفض لأعلى درجاته ضد المشروع السري الأمريكي لتسوية الصراع الأصعب في العالم، بعد القرارات الأمريكية المخيبة لأمال العالم والعرب، جاء من باب الاحتياط الشديد، لكنه موقف غير ملزم للدول العربية وفي مقدمتها مصر والسعودية التي تنتظر تفاصيل "المبادرة الأمريكية"، من ثم التعامل معها، فليس كل ما تطرحه أمريكا مقدساً أو واجب التنفيذ، خاصة بعدما أفشلت إسرائيل اتفاق أوسلو.
كنت أفضل أن ترفض القيادة الفلسطينية الإجراءات الامريكية ضد مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، والعمل على تأليب المجتمع الدولي عليها بوصف أفعالها اعتداء على السلم والأمن الدوليين، والذهاب نحو القضاء الأمريكي لمقاضاة إدارة ترامب، ونقل المعركة داخل المجتمع الأمريكي، في هجوم سياسي قانوني بدلا من حالة الدفاع والتمترس خلف شعارات لا تدعمها خطوات سياسية ولا قانونية جريئة ومؤثرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية