لم يترك الملك عبد الله ملك الأردن أدنى مناسبة إلا وكرر اللاءات الثلاث في خطابه، في رسالة واضحة للشعبين الأردني والفلسطيني، بأنه لا تنازل عن القدس ولا للوطن البديل ولا للتوطين، تلك اللاءات تُمثل هاجساً أردنياً وفلسطينياً، وتُثير التخوف الأكبر من خشية تحقيق ذلك، مع اقتراب الإعلان عن صفقة القرن ، والتي تسعى الإدارة الامريكية لطرحها ليس كحلاً ثنائياً ولكن وفق تقديرات وبُعد لحل إقليمي يُدعم من بعض الدول العربية. 

الرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية في مدينة القدس بدأت على المسجد الأقصى منذ "بيعة الشريف"، عام 1924، ومن ثم الاعتراف الإسرائيلي بها بموجب معاهدة السلام الأردنية- الإسرائيلية (وادي عربة)، تعترف إسرائيل بوصاية المملكة على الأماكن المقدسة التي كانت تتبع إداريا الأردن قبل احتلالها عام 1967م، تتعرض منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا مدينة القدس والوصاية الهاشمية للتقليص والتضييق من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال المشاريع الاستيطانية والتهويدية في المدينة المقدسة، والتي تُوجت بإعلان الولايات المتحدة الامريكية في مايو 2018م، مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وبذلك سمحت بنقل سفارتها من تل ابيب إلى القدس، والذي اعتبرته الأردن ووصفته بأنه "قرار باطل ومنعدم الأثر القانوني ويضر بعملية السلام ولا يخدم سوى القوى المتطرفة".

المخاوف الأردنية والهاشمية مُبررة، فهناك خيوط كثيرة نسجها العنكبوت الأمريكي جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط لاصطياد الأردن في ثوابته تجاه الفلسطينيين من خلال إطلاق التسريبات والاشاعات حول علاقة الأردن بتنفيذ صفقة القرن، وهو ما يُثير الشكوك حول نوايا الولايات المتحدة في زعزعة الامن الاقتصادي داخل الأردن لتجهيز شعب الأردن لقبول معطيات صفقة القرن وفق الصيغة الأمريكية.

على الإدارة الهاشمية الأردنية أن تُصارع من جديد لكسب الوقت والتصدي لتلك المحاولات التي تهدف لتقزيمها أمام أبناء شعبها، وذلك من خلال دعوة الدول العربية والإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، ومؤسسة القدس الدولية المغربية، للانعقاد وبشكل عاجل من أجل تأكيد الوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، من أجل إعادة الاعتبار لمدينة القدس كمدينة إسلامية عربية فلسطينية، وأن تلتزم تلك المؤسسات والدول بتفويض الأردن تفويضاً كاملاً بالرعاية على المقدسات وذلك تحدياً للمشاريع الامريكية والإسرائيلية التي تستهدف الوصاية الأردنية.

على الدول العربية أن تحذو حذو الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتثبيت الوصاية الأردنية قانونياً على المقدسات مثلما حصل في الاتفاقية الموقعة بين الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في عام 2013، بالإضافة لإعلان واشنطن، الذي أكد على هذا الحق، ونصت الاتفاقية مع الرئيس على المبادئ التاريخية المتفق عليها أردنيا وفلسطينيا حول القدس، التي تمكّن الأردن وفلسطين "من بذل جميع الجهود بشكل مشترك لحماية القدس والأماكن المقدّسة من محاولات التهويد الإسرائيلية".
لا نختلف على شكل الوصاية مع الأردن، فنحن نعلم أن أرضنا الفلسطينية لازالت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن تعثر مفاوضات الحل النهائي هي من تساهم في إبقاء تلك الوصاية، ولكن عندما تتحرر ارضنا فإننا نستعيد تلك الوصاية ووقتها تكون القدس والاقصى عاصمة للدولة الفلسطينية. 

إن كافة المشاريع المطروحة من أجل البحث عن وطن بديل أو توطين للاجئين سواء في سيناء او الأردن هي مشاريع وهمية مصيرها الفشل، لأن الارادات العربية والفلسطينية لن تقبل بهذا الوضع، فيعيش في الأردن عدد كبير من الفلسطينيين، ومنهم من يحمل جواز السفر الأردني وعدد اخر يعيش في مخيمات اللجوء، والواقع أن فلسطيني الأردن ولاجئيها يعيشون حياة أمنة ودون تهديدات، وذلك بفعل الأخوة وحسن المعاملة الأردنية لهم، لذا فإن المشاريع الامريكية لتطوين الفلسطينيين في الأراضي الأردنية مرفوضة، ولن يكون لنا وطن بديل عن أراضينا الفلسطينية المحتلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد