لخص خطاب الرئيس محمود عباس أمام مجلس الجامعة العربية الوضع برمته في القضايا الثلاث التي طرحها والتي تناولت العلاقة مع إسرائيل، والولايات المتحدة والوضع الداخلي وخاصة موضوع الانقسام وموقف حركة حماس . فإسرائيل "نقضت كل الاتفاقات التي بيننا وبينها، ولم يعد يجمعنا شيء" حسب أقوال الرئيس أبو مازن. و"صفقة العصر" الأميركية لم يعد بها شيء إيجابي بعد الاعتراف ب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها وإلحاق القنصلية الأميركية الموجودة في القدس منذ القرن التاسع عشر بها، والتعامل مع الأراضي المحتلة منذ العام 1967 على أنها ليست محتلة، وأن إسرائيل تفعل بها ما تشاء من وجهة النظر الأميركية. و"ولا بد أن نتخذ القرار المناسب" حيال ذلك وهنا يقصد الرئيس قراراً عربياً. و"حماس" ترفض المصالحة وتبحث عن التهدئة، وأن الوضع القائم في الضفة و غزة يحتاج إلى وقفة بعد الحديث مع العالم العربي.
حديث الرئيس أبو مازن مليء بالمرارة والإحباط من مجمل الأوضاع السياسية الخارجية والداخلية والتي انعكست بدورها على الوضع الاقتصادي - الاجتماعي في المناطق الفلسطينية وحتى على إمكانية استمرار عمل السلطة الوطنية وأدائها لوظائفها تجاه المواطنين في مختلف المجالات. ومناشدة الدول العربية للتدخل هي ربما تكون الأخيرة قبل الانهيار وربما الطوفان فماذا ستفعل القيادة في الفترة القادمة لمعالجة الموقف أو للرد على هذه التحديات؟
يبدو أن خطاب الرئيس عباس قد كان أكثر شدة مما سمعنا، ربما يكون قد جرى تعديله بصورة أكثر اعتدالاً أو مرونة بعد اللقاء الذي جمعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولكنه في كل الأحوال يحمل مضموناً تهديدياً لسان حاله يقول إذا لم يحصل تعديل من قبل الأطراف التي شكا منها الرئيس فسيكون هناك موقف فلسطيني صارم تجاهها. ويجري الحديث الآن عن الاجتماع المقبل للمجلس المركزي في منتصف الشهر القادم للإعلان عن السياسة والمواقف الفلسطينية الجديدة. صحيح أن القيادة اتخذت قرارات في السابق في المجلسين الوطني والمركزي تتعلق بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وأنها لم تطبق بفعل حرصها على عدم قلب الطاولة وربما بسبب نصائح أو ضغوط إقليمية ودولية، ولكن هذه المرة تبدو مختلفة على الأقل نظرياً. فلم تعد السلطة تحتمل الموقف والإجراءات الإسرائيلية ولا غيرها، وأكثر من ذلك هي في حالة تراجع وانهيار إذا ما استمر الإسرائيليون على مواقفهم. بمعنى ما الذي يستدعي مواصلة الطرف الفلسطيني الالتزام باتفاقات لم تعد قائمة، ولا يلتزم الطرف الآخر بها في أي مجال، وللتذكير ينص اتفاق "أوسلو" على انسحاب إسرائيلي من معظم المناطق المصنفة (ج)، وإسرائيل ليس فقط لم تنفذ بل هي في الطريق إلى ضم هذه المناطق أو قسم منها، أو على الأقل فرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات القائمة في الضفة، أي تغيير الواقع القانوني والسياسي لهذه المناطق وهذا يتم بدعم أميركي واضح. كما أن إسرائيل تخرق "اتفاق باريس" الاقتصادي باعتدائها على الأموال الفلسطينية التي تجبيها نيابة عن السلطة وهي عائدات الضرائب على البضائع الفلسطينية. ومطلوب من السلطة أن تستمر في التنسيق الأمني والالتزام بكل تفاصيل الاتفاقيات.
قد يحمل اجتماع المجلس المركزي القادم قرارات تتعلق بإلغاء "اتفاق أوسلو" بكل تفاصيله وملحقاته بما في ذلك "اتفاق باريس" الاقتصادي، بما يعني وقف التعامل مع السلطات الإسرائيلية كشريك في اتفاقات قائمة ووقف التنسيق الأمني معها، وتحميلها مسؤولية الوضع في المناطق الفلسطينية. وهذا ما تبشر به قيادات فلسطينية منذ الآن وربما كان خطاب الرئيس يحمل أموراً بهذا الوضوح قبل انعقاد مجلس الجامعة العربية، وأنه آثر أن يعطي الأشقاء العرب فرصة لتحديد موقف عربي موحد من كل هذه القضايا وتوفير الدعم السياسي والمادي للفلسطينيين في هذه المرحلة العصيبة.
ولنفرض أننا أعلنا عن إلغاء "أوسلو" وأوقفنا التنسيق الأمني مع إسرائيل وطلبنا من الأخيرة تحمل مسؤولياتها في المناطق المحتلة، ماذا يكون وضع السلطة بمؤسساتها المختلفة وكيف سنتعامل مع أي موقف أو سياسة إسرائيلية، وما هو الموقف من "حماس" والانقسام عموماً هل ستنتظر القيادة أن تعود "حماس" إلى مربع المصالحة وتستأنف تطبيق اتفاق 2017، وهي الآن تنعم بالرضا الإسرائيلي وربما تحصل على بعض التسهيلات في إطار اتفاق التهدئة الذي لم يطبق منه سوى الجزء اليسير والتافه بالمقارنة مع الوضع الذي كان سائداً قبل الانقلاب، وهل ستلجأ السلطة إلى عقوبات جديدة ضد "حماس" وغزة، وهل يمكن تفادي تضرر المواطنين وتحملهم العبء الأكبر نتيجة لأي عقوبات جديدة، وكيف يمكن أن يكون رد الفعل العربي خارج إطار بيان مجلس الجامعة والقمة العربية عندما يخضع الفلسطينيون لعقوبات إسرائيلية وأميركية جديدة قد تحمل في طياتها تضييقات في مجالات مختلفة، في مقابل انفتاح عربي أكبر على إسرائيل وزيادة وتيرة التطبيع معها في مواجهة إيران التي تئن تحت وطأة العقوبات الأميركية المشددة، وماذا سيكون الموقف في حال قامت الفصائل المدعومة من إيران بالمبادرة إلى فتح مواجهة مع إسرائيل كمحاولة إيرانية للرد على تشديد العقوبات. باختصار هل نحن جاهزون لتنفيذ قرارات جديدة ولتحمل تبعاتها ولدينا خطة لمواجهة كل احتمال اعتماداً على صمود شعبنا واستعداده العالي للنضال والتضحية؟ هناك شك كبير في ذلك ما لم نبدأ منذ الآن بالتحضير للمرحلة المقبلة التي تشترط خطة وطنية شاملة للمواجهة ووحدة وطنية وتحصين للجبهة الداخلية. فما زلنا في مرحلة الشعارات ولم نتجاوزها بعد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد