شاركت الأسبوع المنصرم في سلسلة من الأنشطة الثقافية.. السياسية.. الاقتصادية.. وحتى الرياضية، كنت أحاول من خلال مشاركتي في تلك النشاطات أن أصطاد موضوعا.. قضية.. فكرة ما تصلح لكتابة مقال، فكما تعلمون كاتب المقال عبارة عن مفتش أو مقر استخبارات متنقل يبحث بواسطة حواسه أي قضية عامة أو خاصة ليكتب عنها ويقدمها كوجبة ساخنة للقارئ. بصراحة مطلقة وبكل تواضع لم أجد أي شيء أكتب عنه خلال تلك الأنشطة كوجبة ساخنة دسمة لك عزيزي القارئ. والسبب في ذلك وبكل بساطة من وجهة نظري هو عدم القدرة على الإنتاج من زاوية "الشللية" في العملية الإنتاجية بحد ذاتها التي نمارسها جميعاً بعلم أو دون علم بأننا نمارسها.
نعم جميعاً نمارس الشللية، فالمؤسسة وأدواتها وكذلك المواطن شركاء في خلق هذا الجو من الشللية القاتلة لروح الإبداع والتمرد على كل ما هو نمطي. الشللية من أخطر الأمراض التي بدأت تنتشر في مختلف المجالات والقطاعات والوظائف فنجدها بين الإعلاميين، رجال الأعمال، الشعراء، المؤسسات الثقافية والشبابية والتنموية .. في أغلب المؤسسات الحكومية وغير الحكومية....الخ. وتعريفي للشللية هو تكتل مجموعة من الأفراد بعضهم مع بعض لأن لديهم مصالح مشتركة، بالتالي يتم ولادة مظلة حامية لهم ولأعمالهم مهما كانت. فيضعون أنفسهم في جسد مشترك لحماية مصالحهم الخاصة، ما يؤدي الى عزل أي خطر يعتقدون بأنه يشكل خطرا عليهم، لذلك يتم استبعاد وطرد كل من يخالفهم بالمشاركة في العملية الإنتاجية، وهنا أقول أن الشللية تقتل روح الإبداع، وتحارب كل من يسعى الى النجاح.
لهذا نجد ليس المهم ما هو الإنتاج، بقدر من هو صاحب الإنتاج، ليس المهم القصيدة بل من هو الشاعر؟! ليس المهم الفيلم السينمائي بل من هو المخرج.. الممثل؟! ليست مهمة الصورة بقدر من هو المصور!؟ ليست مهمة اللوحة بقدر من هو الفنان؟! الكتاب ليس مهما بل من هو الكاتب. بكل تأكيد علينا أن نسأل مَن وراء العمل حتى يتم بناء معرفة حول المنتج، لكن ما يحدث هو عملية التطبيل والتزمير والابتهاج للحدث ويمنع منع باتاً النقد لأن هذا النقد سيقابل بحملة شرسة من الشلة التابع لها صاحب الإنتاج، وقد تصل بهم الأمور لوصفك بأنك خارج عن الصف الوطني، هذا الصف الذي نجهل ما هو شكله ولونه وطعمه وحتى عدده، هذا الصف الذي يتغير بتغير مصالح واحتياجات من يعرفونه بأنه وطني ...مشبوه... متعاون... ظلامي... متجنح... طابور خامس!! فيتم اختلاق الأكاذيب وترويج الشائعات حسب المصلحة الآنية.
والأخطر من كل ذلك حسب وجهة نظري_ قد أكون مخطئاً_ هو عدم مشاركة شللية ما شللية أخرى في نشاطاتها المختلفة، بالتالي الخاسر الوحيد هو أنا وأنت يا مواطن، لأن الفائدة تكمن في عملية الطحن الفكري للمنتجبين بين الأقطاب المتضادة فيما بينها. وإذا ما عدنا الى تاريخنا وبالتحديد زمن الجاهلية سنجد بأن سوق عكاظ هو أشهر الأسواق، على الرغم من وجود أسواق أخرى مثل: سوق مجنة، سوق ذي المجاز. سبب شهرة عكاظ ليس بسبب وجود قبيلتي هوزان وعدوان، بل لأن العرب كانت تجتمع فيه "فيتعاكظون" أي يتفاخرون ويتناشدون ومن هنا جاء الاسم، لهذا لم يكن فقط السوق لبيع وشراء المنتجات المختلفة من عسل، خمر، تمر، ملابس، مواش.... بل كان هناك تبارز ما بين الشعراء فتولدت أجواء من المفاخرة والمنافرة، ما يؤدي الى خلق أجواء تنافسية يستمتع بها الحضور بمختلف مشاربهم الفكرية. تخيلوا معي لو أن كل شاعر عمل سوقا!! كيف سيكون المنتج الأدبي وحتى المنتجات الأخرى. أما نحن وفي هذا الوقت _للأسف_ فلكل شاعر وأشباه الشعراء هناك شلة، لكل سياسي وأشباه السياسيين شلة، لكل تاجر شلة، لكل دكانة شلة، لكل قائد شلة، لكل منتجع شلة، لكل مقهى شلة، لكل مغنٍ طبيلته!!
هذا الصراع الشللي ينتج عنه الكثير من النتائج السلبية التي تضر بمصلحتنا كمواطنين.. وتضر بالعمل وتسيء لسمعة المؤسسة، وتحيل بيئة العمل إلى ساحة لمعارك شخصية ومصالح خاصة تؤدي إلى اختفاء العمل الجماعي، والعلاقة التكاملية. فضاء مجتمعي شللي كهذا لن يكون مشجعاً على الإبداع، والانتماء، والمشاركة فقد يتحول المخلص إلى منسحب، والمبدع إلى محبط، والمبادر إلى نائم. بالنهاية أقول إن المغني الشاطر يجيد الغناء بصوته وليس بحاجة إلى أي آلة موسيقية، فما حاجته إلى أكثر من طبّال؟!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية