تختلف النظرة لأيّ تغيير على مستوى العمل الحكومي بكلّيته، باختلاف البرنامج والمهام، التي يترتب على الحكومة الجديدة القيام بها، بغض النظر عن الحكومة التي سبقتها، والتي يمكن أن تكون لها مهمات وبرامج مختلفة عن الحكومة الجديدة. يحتاج المواطن إلى تبرير وشرح واضح، للفارق بين الحكومتين السابقة والجديدة ومن بين ما يحتاج للتبرير، هو تقييم أداء الحكومة الراحلة، ارتباطاً بالمهام التي كلفت بها والأهداف التي حققتها.
منذ البداية، قيل: إن التغيير الحكومي يستند إلى الحاجة لتشكيل حكومة سياسية من الفصائل. فهل يعني ذلك أن حكومة الدكتور محمد إشتية، ستؤدي مهامّ سياسية، أم أنها ستجيّر التكوين الفصائلي لصالح برنامج وأهداف تطويرية، طالما أن المهام السياسية هي من وظيفة الرئيس واللجنة التنفيذية والفصائل عموماً؟
لا شكّ في أن الدكتور إشتية، يتمتع بخبرة واسعة في إدارة الاقتصاد والمؤسسات، فضلاً عن كونه عضواً في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ما يضفي على دوره وخبراته قوة إضافية، ولكن ما الذي يضيفه وزراء ترشحهم الفصائل المشاركة بناء على قرارات تنظيمية من الفصائل ذاتها؟ هل يمكن اعتبار القيادات الفصائلية ذات التكوين السياسي والتنظيمي أساساً، بأنها تملك من الكفاءة في مجال العمل الحكومي، الذي يتطلب كفاءات أكاديمية، وإدارية متخصصة، أكثر من مئات وربما آلاف الخبراء الذين يتميز بوجودهم وحضورهم المجتمع الفلسطيني؟
إذا كان ثمة ضرورة لتشكيل حكومة فصائلية ذات أبعاد سياسية، فإن مثل هذه الحكومة يفترض أن تؤدي مهامّ سياسية بالدرجة الأولى لا تؤديها مؤسسة وطنية أخرى، اللهم إلاّ إذا كانت لها رسالة سياسية واضحة، تعكس حالة من التوافق الوطني.
في مجال العمل العام، يلفت النظر، أن بعض الأكاديميين الذين يحملون لقب الأستاذ الدكتور، يفضل أن يتنازل عن صفته الأكاديمية لصالح صفة محلل سياسي، وكأن المحلل السياسي يتمتع بمرتبة اجتماعية وأكاديمية أكثر أهمية من المكانة الأكاديمية العلمية.
يقود ذلك إلى التساؤل بشأن وجود أعضاء لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي أعلى هيئة في سلّم اتخاذ القرار، في حكومة إشتية، أم أننا على درب تقليد خاطئ، يراكم ويضاعف، المهمات الشخصية، وكأنه مقطوع وصفها؟
أحاديث إشتية ووعوده تنطوي على أهمية وإيجابية بالغة، وكأنها تشير إلى أداء حكومي مختلف عن الحكومة التي سبقت فيما يتعلق بملف إنهاء الانقسام، وكيفية وآليات التعامل مع قطاع غزة . غير أن السؤال هو: متى كانت مسألة المصالحة، وإدارة ملف غزة، من مهام الحكومة، بينما هي من صلاحيات المستوى السياسي، بما أنه المرجعية ومصدر القرار، الذي يلزم الحكومة بالعمل لتنفيذه؟
لعلّ الإعلان الذي يتردد أكثر من غيره في وصف الحكومة، هو أنها حكومة الكل الوطني فبأيّ معنى هي كذلك؟
يمكن فهم هذا الوصف من خلال جانبين: الأول، باعتبارها، تضم فصائل العمل الوطني كافة أو أغلبيتها، أو حتى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كحد أدنى، في ظل وضعية الانقسام.
إذا كان الأمر كذلك، فإنها من هذا الجانب ليست حكومة الكل الوطني، إذ إنها لا تشمل فصائل مهمة في منظمة التحرير الفلسطينية، إذا كان ثمة من سيقول: إن الجبهة الشعبية مثلاً، لم تشارك في أي حكومة سابقة، وهي شأنها شأن "الجهاد الإسلامي"، التي ترفض من حيث المبدأ، المشاركة المباشرة في أي حكومة، فماذا عن الجبهة الديمقراطية؟ وماذا عن حركة المبادرة الفلسطينية اللتين لا تضعان "فيتو" مبدئياً على المشاركة في حكومة؟
أما عن الجانب الآخر، فيذهب إلى ممارسة المسؤولية الوطنية بمعنى أن هذه الحكومة ستكون حكومة الكل الفلسطيني في مجال التعامل الكلي واليومي مع المواطن، واحتياجاته، دون أي تمييز أو فرق بين من يسكن في رام الله ومن يسكن في القدس أو قطاع غزة.
بالنسبة لهذا الجانب، لا يستطيع الإنسان أن يحكم ويقيّم على أساس ما يسمع من شعارات ووعود، حتى لو كانت صادقة، فمجال الحكم هو الممارسة العملية على الأرض.
في هذا السياق، معذور المواطن الفلسطيني حين يتحفظ إزاء منح الثقة بأي مستوى قيادي إن كان سياسياً أو حكومياً، بسبب تراكم خيبات الأمل، خلال اثني عشر عاماً من الانقسام، الذي لا تزال سكاكينه تقطع في اللحم الحي.
بصفة عامة، نقدر المهامّ الجسيمة التي تقع على عاتق القيادة السياسية، وتنعكس على عمل هذه الحكومة، فبالإضافة إلى ملف الانقسام، وملف الأزمة المالية، والضغوط الهائلة التي تتعرض لها، والمطلوب منها لتعزيز البعد المؤسسي والتطويري، فإنها تأتي في زمن خطير يستدعي التكيّف مع التوجه الإجباري نحو تنفيذ قرارات المجالس المركزية. حكومتان تتشكلان على ضفتي الصراع، ليس لأي منهما أن تتخذ قرارات بمعزل عن الأخرى. في إسرائيل حكومة برئاسة نتنياهو الذي يتحضّر لاتخاذ قرارات مصيرة تتعلق بالاستيطان، ومصادرة الأراضي، وإعلان السيادة عليها في إطار " صفقة القرن "، وأخرى فلسطينية برئاسة محمد إشتية، ويترتب عليها التصدي لتلك القرارات، وثمة، أيضاً، معارضتان قويتان في إسرائيل تناكفان، لكنهما تضعان إمكانياتهما إلى جانب الحكومة لتنفيذ المخططات الصهيونية. المشكلة في المعارضة الفلسطينية التي تتفق مع الحكومة في معظم الملفات التي تتعلق بالحقوق، ولكنها، تتصارع معها، وتواصل الابتعاد عنها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية