الحاجة أُم الاختراع، ولكن في الحالة الفلسطينية الوضع دائما يبدو مختلفاً، فقد فشل الأطباء في تشخيص الأمراض التي يعاني منها الفكر السياسي في النظام الفلسطيني، وربما فشلوا أيضا في البحث عن الدواء المناسب، لحالة الاكتئاب التي يعاني منها سياسيو البلاد، نتيجة عدم قدرتهم على تخطي الصعاب وإيجاد الحلول المناسبة للمواطن.

الاكتئاب بطبيعته هو مرض نفسي يُصيب الانسان وربما الحيوان، ولكن أن يتم التعاطي مع المرض بأنه اكتئاب سياسي فهذا فقط خاص بالحالة الفلسطينية، لأنه يوجد لدينا عدد لا بئس به من الفصائل الفلسطينية، اليمينية واليسارية والإسلامية والشيوعية، وتتنافس تلك الأحزاب والفصائل تحت وطأة الاحتلال على أيهم يخدم أجندة الاحتلال أكثر، من خلال تعاطي حبوب مخدرة تُسمى بالتفاهمات والمفاوضات والتنسيق الأمني، وغيرها من المسميات التي أضاعت القضية الفلسطينية وأوصلتها إلى البحث في مفردات الطعام والمال مقابل الحياة، دون الحديث عن الهوية و القدس واللاجئين والحدود والمياه وإقامة الدولة.

مما يُزيد من حالات الاكتئاب أن الاحتلال الإسرائيلي الذي نسعى لإنهائه عن أرضنا يُمارس طقوس الديمقراطية والانتخابات، ويُعطي شعبه حُرية الاختيار كُل أربع سنوات لتجديد القيادة وتغيير الجينات السياسية في المجتمع من أجل ضمان التطور في المجتمع، وكي يأخذ الجميع مكانه ودوره في البناء والحفاظ على النظام والقانون، أما نحن فقد يَمرُ نصف قرن على قيادة أحد الشخصيات الفلسطينية لقيادة حزبه السياسي، دون أن يكل أو يمل من القيادة والإدارة، بكل عجرفتها وحماقاتها واخفاقاتها، ليس ذلك وحده عاملاً لزيادة حدة الاكتئاب في المجتمع بل، ربما تتسارع بعض الفصائل الأخرى في اصدار بيانات الإدانة والاستنكار والتنديد والتمديد بالمواقف السياسية المُعادية للمشروع الوطني، وكأن مُهمتها الأساسية أصبحت اصدار البيانات والتصريحات الصحفية فقط.

تتنوع حالات الاكتئاب السياسي في التمني بالحصول على مُكتسبات جديدة بين سياسيو الوطن فبعد أن تسلم الدكتور محمد اشتيه كتاب التكليف برئاسة الوزراء للحكومة الجديدة، حتى انتشرت حُمى المستوزرين والباحثين عن اللقب الأسمى "معالي الوزير"، تلك المعالى التي يختلف عليها الأن قيادات الفصائل الفلسطينية الصغيرة، من أجل اللحاق بركب من سبقهم ولنيل شرف الصفة والانضمام إلى نادي الوزراء السابقين واللاحقين، في وطن لا يحتاج إلى وزراء بقدر ما يحتاج إلى رجال يُمثلون هموم المواطن قبل الوطن، لأن الوطن بخير طالما كان المواطن كذلك، ولكن الواقع هو العكس الوزراء يبحثون عن الخير في جيوب المواطن، ويتعطشون لنيل صفة الوزير.

الحُمى أصبحت مُعدية مع انطلاق سباق الظفر باللقب، كُل يبحث عن الطريقة المؤدية إلى قلب الرئيس وعقل رئيس الوزراء، كُل جند جنوده وشحن مواقعه وأبرز وجهه المستوزر وبأنه أحق بالوزارة من أخيه، دب الخلاف في صفوف اليسار واليمين، وباتت الأحزاب تنهار وسال اللعاب على وزارة تُمثل حلماً وطوق نجاه لأخرين، وكي يمشي الوزير مختالاً بنفسه بين حاشيته وموظفيه، وينادونه بـ معالي الوزير وعطوفته والحج والكبير، لتُضاف حالات جديدة إلى سجل المرضى بالاكتئاب السياسي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد