في منتصف أيلول العام الماضي، أصدرت القيادة المركزية لمكتب المستشار القانوني والمستشار القانوني في الضفة الغربية أمراً رسمياً بإنشاء لجنة لفحص طلبات العفو عن الأسرى الذين يقضون عقوبة بالسجن مدى الحياة التي تفرضها المحاكم العسكرية في الضفة الغربية، وذلك على غرار نظام القضاء المدني، ما يعني أن هؤلاء الأسرى سيكونون قادرين على طلب تخفيف العقوبة وصولاً إلى الإفراج عنهم، بعد أن رأى هؤلاء في المستوى القانوني والقضائي في إسرائيل أن هناك تمييزاً بين سجناء حوكموا في الضفة الغربية وآخرين حوكموا في إسرائيل، ما يشكل تمييزاً غير مبرر في نظام القضاء.
إثر ذلك، ثارت ثائرة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المتطرف جلعاد أردان الذي قام بتشكيل لجنة مكونة من أعضاء كنيست وعناصر من "الشاباك" و"الشاباص" (مصلحة السجون الإسرائيلية) لتحديد ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، قامت بزيارة إلى كافة السجون ورفعت ملاحظاتها حول التمثيل التنظيمي والنضالي والمشتريات من الكانتينا والحركة داخل الأقسام ومدة ومواعيد "الفورة" وزيارة العائلات وكمية ونوعية الطعام وكمية المياه المتوفرة وعدد الكتب والدراسة، وعلى الأثر رفعت اللجنة عدة توصيات تبناها أردان، لمصادرة كافة إنجازات الحركة الأسيرة خلال مراحل نضالها لتحسين ظروف الاعتقال، وأصدر أردان عدة عقوبات من أبرزها تقليص عدد الزيارات العائلية، إلغاء الاعتراف بممثلي الأقسام والسجون ووقف الكانتينا، ومنع تحضير الطعام داخل الغرف والأقسام، وسحب كافة الأجهزة الكهربائية، إلاّ أن القرار العقابي الأكثر خطورة تمثل في وضع أجهزة تشويش على الهواتف، كما حدث في سجن النقب الصحراوي. واثر احتجاجات الأسرى قامت قوات الاحتلال في السجون بأعمال قمع وحشية بحجة قيام بعض الأسرى بمهاجمة ضابط وسجان في سجن النقب، الأمر الذي أدى إلى دعوة من قبل الحركة الأسيرة لمجابهة هذه الجرائم بحقهم من خلال الدعوة إلى تنظيم إضراب عن الطعام، وفي البداية قال أردان إنه لن يفاوض المعتقلين على تحسين ظروف معيشتهم وان كافة الإجراءات التي تمت من خلالها مصادرة كافة إنجازات الحركة الأسيرة ستطبق بدقة وان مصلحة السجون ستتعامل بصرامة شديدة مع الإضراب عن الطعام الذي سبق وأن أعلنت عنه الحركة الأسيرة يوم الأحد الماضي، وذلك قبل ان تسعى مصلحة السجون للتفاوض مع المعتقلين مجدداً دون أن تتراجع عن إجراءاتها في محاولة لكسب الوقت، لتمرر تلك الإجراءات في وقت كانت الحملة الانتخابية في إسرائيل على أشدها، ولم يكن في واقع الأمر، في ظل تلك الحملة أن يتم التعامل في المفاوضات مع الأسرى بشكل إيجابي، تحت ضغط هذه الحملة بينما يتراجع حزب الليكود، حزب نتنياهو وأردان في استطلاعات الرأي. والواقع أن هذا الظرف الانتخابي لم يكن مواتياً لإدارة مفاوضات مع مصلحة السجون التي كانت تحاول التحايل مع عامل الوقت لتمرير عقوباتها وتجنب الإضراب إلى حين تمرير المرحلة الانتخابية، لذلك من المتوقع أن تستأنف هذه المفاوضات، مع ظروف جديدة، إثر زوال الظرف الانتخابي. ويلاحظ في هذا السياق، أن أردان عبّر أكثر من مرة، خلال مرحلة التفاوض أن رئيس الحكومة نتنياهو يدعم موقفه المتشدد إزاء الحركة الأسيرة، وذلك إثر عدة انتقادات لهذه العقوبات من قبل المستوى الأمني والجيش الإسرائيلي خشية من انفجار الأوضاع.
للحركة الفلسطينية الأسيرة، تاريخ نضالي مشرف، وباتت تمتلك تجربة رائدة في مجابهة كافة أشكال القمع والتنكيل الإسرائيلية، إلاّ أن ذلك يتطلب دعماً حقيقياً وعلى كافة المستويات الحقوقية والإعلامية، في الداخل والخارج على حد سواء، وكما أجبرت الحركة الأسيرة الاحتلال على التفاوض معها بعد رفضه ذلك، فإنها قادرة على الحفاظ على مكتسباتها وإنجازاتها في ظل وحدتها والتمسك بحقوقها، وفي انتظار دروس إضافية من نضالات معركة الكرامة الجديدة، فإن حركتنا الأسيرة لا تزال هي النموذج الذي يتوجب على النضال الوطني في خارج السجون التعلم منه!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية