منذ فترة وموضوع الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية يحظى بتركيز وتجاذبات في الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية وبالذات بعد احتجاز أسرى وجثث لإسرائيليين في قطاع غزة . وجزء من هذا الاهتمام نبع من ضغط أهالي الأسرى الإسرائيليين الذين يريدون أن تعامل الحكومة الإسرائيلية المعتقلين الفلسطينيين كما يعامل الفلسطينيون أسراهم في غزة، وخاصة منع زيارات الأهل والاتصال مع العالم الخارجي. وفي الآونة الأخيرة أصبحت هذه المسألة خاضعة لمزايدات سياسية بين أقطاب اليمين الإسرائيلي. وبوجود وزير الأمن الداخلي المتطرف الليكودي جلعاد أردان أضحت الشروط الحياتية للأسرى أكثر صعوبة وتعقيداً، وخاصة بعد أن شكل أردان لجنة خاصة لبحث التضييق على الأسرى وجعل ظروف اعتقالهم أشد قسوة وصعوبة.
وبناء على توصيات لجنة أردان تم الاعتداء على حقوق الأسرى الإنسانية التي انتزعوها بنضالاتهم وبثمن باهظ دفعوه من صحتهم وحياتهم طوال مراحل الأسر الصهيوني. والأسرى يعانون من ظروف سيئة في كل المجالات بدءاً بالنقص في الطعام كماً ونوعاً والعلاج الصحي وأماكن الاحتجاز والشروط الصحية فيها من مساحة وهواء وشمس، ومنع زيارات الأهل والعقوبات والغرامات المالية، والفصل بين الأهل الزائرين والأسرى بوضع حواجز زجاجية، والتنقلات والعزل، ووقف التعليم، وتسليم المطابخ للمعتقلين الجنائيين اليهود بسبب عدم القدرة على طبخ الطعام وفقاً لطريقتنا وثقافتنا، كما عانى الأسرى من التفتيشات الليلية المزعجة. وجاء وضع أجهزة التشويش على الاتصالات بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فبحجة التشويش على أجهزة التليفون النقال الموجودة لدى الأسرى تم تركيب أجهزة التشويش التي تشوش على كل الأجهزة الالكترونية بما في ذلك أجهزة الراديو والتلفاز.
كل محاولات الأسرى التوصل إلى تفاهمات مع مصلحة السجون الإسرائيلية باءت بالفشل، ما قاد إلى تصدي الأسرى للسجانين كجزء من مقاومة سياسة التضييق التي تعتمدها مصلحة السجون، الأمر الذي أدى إلى جرح سجانين والاعتداء على الأسرى بالتنكيل والقمع الوحشي، وهو ما قاد إلى التفكير بالإضراب عن الطعام كوسيلة لإجبار مصلحة السجون على الاستجابة لمطالب الأسرى العادلة، وأولها إزالة أجهزة التشويش. ولعل التهديد بالإضراب نجح في دفع مصلحة السجون للتفاوض مع الأسرى، وكاد ينجح كذلك في التوصل إلى اتفاق مع الأسرى، ولكن الاعتبارات الانتخابية قادت إلى التراجع السريع من قبل مصلحة السجون ووزارة الأمن الداخلي المسؤولة عنها. فأردان الذي نفى أن تكون إسرائيل تفاوض الأسرى سرعان ما اكتشفت الصحافة الإسرائيلية كذبه وأعلنت أكثر من وسيلة إعلام إسرائيلية حصول مفاوضات مع الأسرى خلافاً لأكاذيب أردان، وهكذا وجد نفسه في مأزق سياسي أمام بعض أطراف اليمين المتطرف الذين زايدوا على أردان وطالبوا بوقف المفاوضات وترك الأسرى يضربون عن الطعام حتى الموت دون الاستجابة لمطالبهم، أو حتى التفاوض معهم.
في ظل انكشاف الضعف الإسرائيلي أمام مطالب الأسرى الحياتية الأساسية، وأمام الخوف من اشتعال المناطق الفلسطينية المحتلة بما في ذلك احتمال حصول مواجهات مع غزة نتيجة لتدهور وضع الأسرى فضلت الحكومة الإسرائيلية اللعب بالوقت والمماطلة حتى تمر الانتخابات على خير من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي، فكانت الإيحاءات بالإيجابية في المفاوضات تعبر عن رغبة في تجاوز التاسع من نيسان، دون انفجارات جدية في الوضع الفلسطيني، وهذا ما حدث فعلياً حتى بدء عملية التصويت أمس. ولا يبدو أنه سيكون هناك أي تطور خطير  قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات، وبهذا ستتجاوز إسرائيل المشكلة وستتعامل مع ملف الأسرى الحكومة القادمة بنوع من الأريحية وليس تحت ضغط الوقت.
إذا توسع الإضراب حسب المخطط واشترك فيه عدد كبير من الأسرى واصبح في مرحلة لاحقة شاملاً لكل المعتقلات ولكل التنظيمات يستطيع أن يحقق النجاح وقسم مهم من الأهداف التي وضعها الأسرى. وهنا تلعب الوحدة الوطنية دوراً رئيساً في تحقيق الانتصار كما هو الحال خارج الأسوار وفي وضع الانقسام الحاصل في الوطن. ولكن للأسف لا يزال الخلاف والانقسام مسيطرين على المشهد الفلسطيني ويؤثران حتى على الأسرى الذين يعيشون ظروفاً استثنائية وهم بحاجة للتوحد أكثر من أي قطاع آخر. فإذا بقي الاختلاف ولم يشارك غالبية الأسرى والسجون في الإضراب سيكون صعباً على المضربين الاستمرار لفترة طويلة، على الرغم من أن الإضرابات الفردية نجحت في الصمود لفترات قياسية على مستوى الكون. ولكن الإضرابات الجماعية بحاجة إلى أمرين للانتصار: المشاركة الواسعة من الأسرى، والإسناد الشعبي في الخارج. وفي الحالتين عنصر القوة الرئيس هو الوحدة التي تجمع أبناء الشعب من كافة الانتماءات والألوان السياسية والاجتماعية والأيدولوجية.
فهل نحن أمام تغيير إيجابي وانعطافة حقيقية في نضال الحركة الأسيرة والحركة الوطنية المساندة، أم أننا سنبقى أسرى لصراعاتنا وخلافاتنا العقيمة التي تذهب إنجازاتنا وتهدد حقوقنا الوطنية والإنسانية العادلة، هذا ما ستجيب عليه الحركة الأسيرة وفصائلنا العديدة في الأيام القادمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد