«سابينا» زميلة هندية، عضو في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحافيين.. منذ أكثر من 5 سنوات طالبت بزيارة فلسطين، التي سمعت وقرأت عنها كثيراً وكأنها مركز الأرض، ولكن قراءاتها السابقة كانت مغلفةً بالصراع مع الاحتلال، هذا الصراع الذي أشغل العالم، وجعل من القضية الفلسطينية قضيةً مركزيةً لها تأثيرها ليس على الإقليم فحسب وإنما على العالم غرباً وشرقاً...
قبل عدة أشهر تمكنت سابينا من دخول فلسطين والتجول في محافظاتها المختلفة، والاطلاع على كل شيء متاح من الثقافة إلى السياسة، إلى الأوضاع الاقتصادية، إلى المنظومة الاجتماعية، وليس انتهاء بالاحتلال والمستوطنات والحواجز.
في اليومين الأوّلين من زيارتها عاشت «حفيدة غاندي» المثقفة والصحافية «صدمة» لم تتحدث أو ترغب في الحديث عنها، ولكن خلال جلسة عشاء بادرت إلى القول.. أنتم تملكون دولة فماذا تريدون؟ ربما كان تعليقها مفاجئاً أو صادماً بقوة الصدمة التي عاشتها في يوميها الأوّلين...
«سابينا» كانت تعتقد أن فلسطين منطقة حرب ودمار، وأن الشعب الفلسطيني لا يملك مقوّمات دولة حقيقية، شعب فقير، أوضاعه مهلهلة... على قاعدة أن مناطق الصراع والحروب في العالم أوضاعها متشابهة، فلا فرق، مثلاً، بين كشمير أو الصومال أو فلسطين المحتلة...
كان لا بد من التوضيح أن الشعب الفلسطيني قادر على الإبداع، وربما ما شاهدته، خاصة في منطقة رام الله والبيرة من تطور عمراني وبنى تحتية، قد نفى مفهوم أن هذه المنطقة محتلة. وكان لا بدّ من إحداث صدمة مقابلة عند «سابينا» لتعرف ماهية الاحتلال وخطورته.. اصطحبتها إلى مخيمين فلسطينيين، وإلى مناطق الامتداد الاستيطاني في شمال الضفة و القدس ومنطقة الخليل مع شرح مفصّل عن الوضع، وكيف تحوّلت الأراضي الفلسطينية إلى قطعة جبنة سويسرية، مكوّنة من مجموعة من الكانتونات المصنّفة إلى مناطق (A, B, C). وهي حالة فريدة واستثنائية في العالم.. وكيف أن فلسطين التاريخية لم يبق للفلسطينيين منها سوى أقلّ من 22%، مع توضيح الأطروحات الإسرائيلية لمفهوم التسوية التي ربما ستقلص مساحة الدولة الفلسطينية إلى أقل من 10% من أراضي فلسطين التاريخية.
في اليوم الثالث، جاءت بمجموعة من الاستفسارات حول المقاومة، وخاصة المقاومة الشعبية وإمكانية تطبيق مفاهيم «غاندي» السلمية في مواجهة الاحتلال الاستيطاني... وتساءلت هل يمكن لكم أن تتخلّوا عن شيء من هذا الاقتصاد الاستهلاكي، وأن تعتمدوا على مصادركم وإنتاجكم المحلي، ولو بالحدّ الأدنى لمدة 10 سنوات مثلاً؟...
وهنا جاءت إجابتنا اعتماداً على التاريخ وشواهده، وعلى قاعدة تغنّينا بصلاح الدين محرر القدس، ولذلك استعنّا بالانتفاضة الأولى كمثال حيّ على مواجهة الاحتلال بمقاومة شعبية حقيقية قامت على قوة الحجر والمقاطعة لإسرائيل، وخاصة توقُّف العُمّال الفلسطينيين عن العمل لدى الاحتلال عندما كانت تل أبيب تعتمد بشكل أساسي على العَمَالة الفلسطينية... .
«سابينا» غادرت وهي تؤكد أهمية تبنّي نموذج غاندي في المقاومة، لأننا غير قادرين على مواجهة هذا الاحتلال بالقوة العسكرية، في ظل دعم غربي وأميركي مطلق وتعهدات بالحفاظ على القوة العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية ليس في مواجهة الفلسطينيين وإنما في مواجهة الإقليم بما فيه من عرب وعجم.
للأسف لم يتم تبنّي هذا النموذج، وللأسف فإن المقاومة الشعبية مازالت دون الحدّ الأدنى، والمقاطعة لإسرائيل والبضائع الإسرائيلية مجرّد نشاطات موسمية، بحيث لم نستطع حتى الآن إقناع التاجر الفلسطيني بالمقاطعة الحقيقية، ولا المنتج الفلسطيني بتحسين النوعية وزيادة فرص العمل، ونحن نتحدّى أي مصنع فلسطيني أن يصدر أرقاماً حقيقية عن عدد العاملين الذين أضيفوا إلى قائمة عماله خلال أسابيع المقاطعة الحقيقة أثناء العدوان على غزة ، وهل انعكس ذلك على أجور العُمّال... كما أننا لم نقنع المواطن الفلسطيني بتغيير الثقافة الاستهلاكية المدمّرة، والحدّ من الرفاهية القائمة على التسوُّل من الدول المانحة... .
ربما لو كانت «سابينا» اليوم في فلسطين واطلعت على البلطجة الإسرائيلية المتمثلة باحتجاز الأموال الفلسطينية، وانعكاس ذلك على الرواتب، وعلى عيش الإنسان الفلسطيني... لحملت لافتة وسط رام الله تطالب الحكومة والشعب الفلسطيني بالردّ على هذه البلطجة على طريقة غاندي... ولكن لا الحكومة ولا الجماهير قد وصلت إلى منطق الزائرة الهندية؟!.
abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد