يحتفل العالم في السابع من أبريل كل عام بيوم الصحة العالمي، وتخصص منظمة الصحة العالمية كل عام موضوع بعينه وتشجع الدول والمنظمات للتركيز عليه. وقد تم هذا العام رفع شعار "التغطية الصحية الشاملة" كموضوعٍ لتوعية الأشخاص بالتغطية الصحية الشاملة، والخدمات والدعم الذي تقدمه المنشآت الصحية وكيفية الحصول عليها. وبشيء من التفصيل تعني التغطية الصحية الشاملة، أن يحصل كل الناس على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها دون أن يتعرضوا لضائقة مالية عند سداد مقابلها. وينبغي تغطية المجموعة الكاملة من الخدمات الصحية الضرورية والجيدة، بما في ذلك تعزيز الصحة والوقاية والعلاج والتأهيل والرعاية الملطفة. وتقتضي التغطية الصحية الشاملة التغطية والقيام بالتدخلات الرئيسية التي تتصدى لأهم أسباب المرض والوفاة. وتتعلق إحدى الغايات الرئيسية للتغطية الصحية الشاملة بجودة الخدمات الصحية التي يتعين أن تكون جيدة بالقدر الكافي لتحسين صحة من يحصلون على الخدمات.


يحتفل العالم في يوم الصحة العالمي ومازال الفلسطينيون تُنتهك حقوقهم الصحية وعلى نطاقٍ واسعٍ، حيث لا يتوفر القدر الكافي من المرافق الصحية المناسبة التي تتضمن المقومات الأساسية للصحة مثل مياه الشرب المأمونة ومرافق الإصحاح الكافية، والموظفين الطبيين والمهنيين المدربين، والعقاقير الأساسية، حيث يعاني قطاع غزة الذي تجاوز عدد سكانه (2) مليون نسمة، من نقص في عدد الأطباء الذي يصل إلى (2892) طبيب بمعدل حوالي (14) طبيباً لكل10000مواطن، ونقص في عدد فئة التمريض(حكيم، ممرض، قابلة) البالغ (3917) بمعدل حوالي (19) لكل 10000مواطن، بينما يصل عدد الأسرة في مستشفيات وزارة الصحة المزود الأكبر للخدمات الصحية (2168) سرير أي حوالي (11) سريراً لكل10000 مواطن.


 كما يعاني قطاع غزة من عجز دائم في الأدوية والمهمات الطبية، فقد بلغت الأصناف الصفرية من الأدوية على امتداد عام 2018 (46%)، فيما وصل العجز في المهمات الطبية المتداولة إلى (28%)، ومن أكثر فئات المرضى الذين يعانون من نقص الأدوية والمهمات الطبية هم ذوي الأمراض المزمنة سيما مرضى السرطان والكلى، حيث لا تتوفر لمرضى السرطان إمكانات التشخيص المناسب بسبب العجز المستمر في "صبغات العينات"، وعدم توفر مسح ذري لتقييم درجة انتشار الورم، وعدم توفر مسح البوزيترون". كما أن العلاج الإشعاعي غير متوفر والعلاجات الكيماوية والتلطيفية بها عجز مستمر. في السياق ذاته يعاني مرضى الفشل الكلوي والأطفال تحديداً من عدم توفر القساطر الدائمة والمؤقتة الخاصة بعملية الغسيل الكلوي، وعدم توفر ملحقات أجهزة غسيل الكلى غير المناسبة للأطفال، فموصلات الدم والفلاتر غير مناسبة لغسل الكلى للأطفال، يضاف إلى ذلك أنه لا يتوفر الغسيل الكلوي البيروتوني الذي يعتبر أفضل من الغسيل الدموي المتوفر في قطاع غزة. 


وهناك إشكالات مزمنة أخرى تعاني من المؤسسات الصحية أهمها انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود الخص بتشغيل المولدات، يضاف إلى ذلك العجز في أجهزة التشخيص ومواد الفحص المخبرية والذي له بالغ الأثر السيء على تقديم الخدمات الصحية المناسبة للمرضى. وفي سياق انتهاكات الحقوق الصحية أيضا،ً يأتي عدم توفر إمكانية الوصول المادي للخدمات الصحية، أي الوصول السهل والآمن للمرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة سيما الفئات الضعيفة والمهمشة، حيث خضعت حوالي (10) آلاف من طلبات تصاريح المرضى للمماطلة وطول الانتظار، وبالتالي لم يتمكن أصحابها من الوصول إلى المستشفيات خارج قطاع غزة في الوقت المناسب الأمر الذي أدى إلى وفاة (9) مرضى. كما أن تفشي ظاهرتي البطالة والفقر يحول دون قدرة المرضى على تحمل نفقات المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة، خاصة أنه يوجد العديد من أصناف الأدوية والمهمات الطبية غير المتوفرة في المستشفيات، الأمر الذي يتطلب من المرضى شرائها من الصيدليات الخاصة ما يحملهم أعباء مادية إضافية بل وفي كثير من الأحيان لا يمكنهم ذلك من شرائها. يضاف إلى ذلك أن الكثير من المرضى بسبب أوضاعهم المادية الصعبة، لا يستطيعوا تحمل نفقات السفر للعلاج في الخارج خاصة تكاليف المواصلات. 


 إن ما أسلفنا به آنفاً، يتعلق بالتوافر وإمكانية الوصول المادي والاقتصادي للخدمات الصحية وهي من المعايير الأساسية للتمتع بالحق في الصحية. ومن المهم أن نضيف إليها عنصر هام آخر وهو الجودة، أي ينبغي أن تكون المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة مقبولة ثقافياً، وتكون مناسبة علمياً وطبياً وذات نوعية جيدة. ويتطلب ذلك، في جملة أمور، موظفين طبيين ماهرين، وعقاقير ومعدات للمستشفيات صالحة للاستخدام، ومياه شرب مأمونة، وإصحاحاً مناسباً. وهنا تكمن إشكالات خطيرة متعلقة في جودة الخدمات الصحية في ظل النقص الحاد في عدد الأطباء الأخصائيين الذي وصل إلى (882) طبيباً أي حوالي (4) أطباء لكل 10000 مواطن، ومع وجود العجز في اختصاصات طبية مهمة مثل النساء والولادة والعظام والباطنة والجراحة العامة والتخدير والأطفال والطب النفسي، بالإضافة للحاجة لاختصاصات فرعية، مثلةا الأمراض المناعية والجهاز الهضمي والصدرية والأورام والأوعية الدموية وغيرها. يضاف إلى ذلك عدم توفر العديد من أصناف الأدوية الحديثة خاصة لمرضى السرطان. كما أن هناك عجز في عدد الممرضين المؤهلين للتعامل مع العديد من الأمراض مثل السرطان والكلى والقلب وغيرها من الأمراض المزمنة التي تحتاج لرعاية خاصة.


يحتقل العالم هذا العام في يوم الصحة العالمي رافعاً شعار التغطية الصحية الشاملة، ومازالت الحقوق الصحية في قطاع غزة منتهكة وعلى نحوٍ خطيرٍ، حيث لا يتمتع سكان القطاع بالحد الأدنى من الرعاية الصحية المناسبة في ظل تقصير واضح للمجتمع الدولي عن القيام بمسؤولياته والتزاماته القانونية والأخلاقية تجاه الحقوق الصحية للفلسطينيين، وبسبب التداعيات السلبية للاحتلال والانقسام على الأوضاع الصحية. فالاحتلال تسبب ومازال بحصاره وممارساته الممنهجة، في تردي الأوضاع الصحية، حيث حالت قوات الاحتلال من تطوير قطاع الصحة بل واستهدفت عبر عدوانها المتكرر على قطاع غزة المنشآت الصحية والطواقم الطبية، ولم تلتزم كدولة احتلال بمسؤولياتها بتأمين الصحة العامة والشروط الصحية وتوفر بأقصى ما تسمح به وسائلها العناية الطبية، بل على العكس أثر الحصار سلباً على توفر الأدوية والمعدات الطبية وقطع غيارها ومواد البناء الخاصة بالمستشفيات وغيرها مما يلزم تطوير القطاع الصحي. وتسبب الانقسام أيضاً الذي جز بقطاع الصحة في أتون التجاذبات والصراعات السياسية، في الحيلولة دون إدارة القطاع الصحي بالشكل المناسب. 


عليه فإن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه حماية الحقوق الصحية للفلسطينيين، والعمل الجاد على الضغط على سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي لرفع الحصار والكف عن استهداف قطاع الصحة والقيام بمسؤولياتها القانونية تجاه الحقوق الصحية لسكان قطاع غزة. كما نطالب الجهات الفلسطينية ذات العلاقة سيما الجهات الحكومية المعنية في الضفة الغربية وقطاع غزة لتحمل مسؤولياتها القانونية تجاه الحقوق الصحية لسكان قطاع غزة، والتوقف عن توظيف القطاع الصحي في الصراعات السياسية الداخلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد