إقدام إسرائيل على انتهاك اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 مع سورية، لا يمكن أن يكون حدثاً عادياً، ولا ينطبق عليه من حيث التداعيات ما جرى خلال المرات الكثيرة التي أقدمت فيها إسرائيل على قصف منشآت ومخازن أسلحة في سورية خلال السنوات الأربع المنصرمة.
بقصد أو بدون قصد، فإن القصف الذي بادرت إليه إسرائيل في القنيطرة وأودى بحياة ستة من الكوادر القيادية لـ»حزب الله»، وجنرال إيراني كبير، ذلك الفعل يخترق محرمات، ويتجاوز خطوطاً حمراء، لثلاثة أطراف فاعلة هي سورية، وإيران، و»حزب الله»، ما يعني أنه من المرجح أن يستدعي ردود فعل أبعد من الحدث ذاته.
إسرائيل التي تعاني من عزلة دولية متزايدة، على خلفية مسؤوليتها عن إفشال محاولات التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، وارتكابها جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني، وانتهاكها المستمر للقوانين والقرارات الدولية فيما يتعلق بالاستيطان غير الشرعي، وتهويد القدس ، ومتابعة بناء جدار الفصل العنصري على الأراضي المحتلة العام 1967، هذه الـ»إسرائيل» لم تعد محصنة، ولا يمكنها الاعتماد فقط على قدراتها العسكرية التدميرية.
عندما تغلق إسرائيل كل النوافذ أمام أي إمكانية لإقامة السلام مع فلسطين وسورية، ولبنان، ما يعني أن أبواباً أخرى ست فتح في ظل استمرار السياسة العدوانية الإسرائيلية، وإنكار حقوق الآخرين،
لا يمكن في هذه الحالة أن تحظى إسرائيل بالهدوء والسلام وحدها. فيما يعاني الآخرون، ما يترتب عليها أن تواجه وضعاً متوتراً كل الوقت، مفتوحا على اشتباك وصراع واسع، ومتعدد الأشكال، والأدوات والوسائل.
فإذا كانت إسرائيل تراكم وتطور المزيد من وسائل الدمار لحماية نفسها وتحقيق مخططاتها التوسعية وأطماعها، فإن الآخرين يراكمون هم أيضاً وسائل قتالية ضخمة، سعياً وراء حقوقهم ومصالحهم. لماذا يراكم «حزب الله» مثلاً، هذه الترسانة الهائلة من الأسلحة والصواريخ والمعدات القتالية، ولماذا يطور إمكانية في المواجهة، ولماذا تراكم فصائل المقاومة الفلسطينية هي الأخرى، وسائل قتالية تتجاوز الأسلحة الفردية؟
ما يملكه ويراكمه «حزب الله»، يعظم قوته السياسية، والشعبية وتأثيره في لبنان وربما المحيط القريب، كما نلاحظ دوره في سورية، ولكن ليس بحاجة إلى هذا الكم الهائل من الصواريخ، فقط لحسم التناقضات الداخلية اللبنانية، والتساؤل ذاته ينسحب على فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، بالرغم من أن أحداً لا يتجاهل مدى تأثير ما تملكه المقاومة من أسلحة في التأثير على الأوضاع الداخلية.
بعض المحللين الإسرائيليين، وهم قلائل، يعتقدون أن «حزب الله»، ليس في وارد، القيام بأي رد على الغارة الإسرائيلية في القنيطرة، بدعوى، أنه يحرص بشدة على أن يعرض الشيعة في لبنان إلى مخاطر جسيمة، كما حصل خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006. يسوق هؤلاء ما يقولون إنه معلومات، فضلاً عن استدعاء تصريح سابق للسيد حسن نصر الله، كان قد قال فيه إنه ما كان ليقدم على خطف الجنديين الإسرائيليين، لو أنه كان يتوقع ما قامت به إسرائيل خلال الحرب.
لو أن حسابات السياسة، والحقوق والخيارات على هذا النحو، لكان على إسرائيل أن تنجح في تنفيذ مخططاتها من النيل إلى الفرات، بل أبعد من ذلك، دون أن تدفع أثماناً باهظة، لكن السياسة لا تسمح بمثل هذه الاعتقادات. السعي وراء الحقوق، وتحقيق الأهداف والإنجازات الكبرى منها والصغرى، يحتاجان إلى إجراء الحسابات الدقيقة، واختيار الوسائل المناسبة، في التوقيتات المناسبة، من أجل تقليل أثمان تحقيق الإنجازات، ولكن لا يمكن تحقيق الإنجازات والأهداف دون أثمان.
قبل يومين تم إطلاق صاروخين من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل، تبع ذلك تدمير جيب عسكري وقتل وجرح من فيه في منطقة شبعا جنوب لبنان، وإطلاق قذائف هاون الأمر الذي يحمل في طياته، مؤشراً على مرحلة قادمة مختلفة عما شهدته الحدود السورية مع إسرائيل من هدوء مطبق منذ العام 1974.
إطلاق الصواريخ ليس هو الرد الذي يوازي ما قامت به إسرائيل، ولا هو الرد المقنع، الذي يردع إسرائيل من تكرار عدواناتها وتوسيع جغرافية عملياتها العسكرية خارج حدود فلسطين التاريخية.
إطلاق الصواريخ مجرد كلمة المرور، نحو فتح جبهة الجولان المحتل، وهي مبادرة، كان يفترض من النظام السوري، أن يقدم عليها منذ كثير من الوقت خلال مرحلة الصراع الداخلي.
إذا كانت المعارضة على كثرة انتماءاتها وأشكال عملها، وأهدافها تسعى لإسقاط النظام، حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالدولة والوطن السوري بالنسبة لبعض الجماعات، فإن المبادرة إلى فتح الصراع مع إسرائيل تشكل معياراً لوطنية المعارضين، خصوصاً وأن سورية تدفع الثمن باهظاً في الصراع الداخلي الذي يخدم إسرائيل. الثمن مدفوع سورياً في كل الأحوال، فلماذا لا يدفع هذا الثمن في سياق فكرة، تحرير الأراضي السورية المحتلة، خصوصاً وأن التدخلات الخارجية واقعة في كل الأحوال ولا تنتظر مبررات من نوع يتصل باشتباك سوري إسرائيلي. وبصراحة فإن العدوان الإسرائيلي في القنيطرة ونتائجه يضعان على المحك، «حزب الله» وإيران، التي لا تتوقف حربها السياسية النظرية على ما يسمونه الجرثومة السرطانية أي إسرائيل.
الاتجاه نحو فتح جبهة الجولان يستدعي إعادة بناء العلاقة بين كل الأطراف التي تنتسب للمقاومة، وبضمنها الفصائل الفلسطينية، بما يطلق يدها في العمل، كما أنه يستدعي أيضاً وعلى نحو عاجل التعامل بطريقة إيجابية مختلفة مع أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية المطحونين بين المعارضة والنظام، وحتى لا يكون ما يتعرض له هؤلاء جزءاً من تنفيذ مخططات التهجير والتبديد، وإضاعة حقوقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية