الوضع الاقتصادي الكارثي يدفع شباب غزة للتسلل نحو الأراضي المحتلة
غزة / صبا الجعفراوي /سوا/ توجه الشاب عبد الرازق القاضي -20 عاماً- برفقة أصدقائه نحو المناطق الحدودية للتسلل إلى الأراضي المحتلة للبحث عن فرصة عمل على الرغم من علمهم بخطورة الأمر، وامكانية تعرضهم للموت أو الأسر شرق محافظة رفح جنوبي قطاع غزة.
وكغيره من الشباب، قرر عبد الرازق أن يقدم على تلك الخطوة بعد أن تملكه اليأس من العثور على فرصة عمل تساعده في اعالة أسرته المكونة من 12 فرداً والتي تعاني من وضع اقتصادي صعب، ازداد صعوبة بعد العدوان الاسرائيلي الاخير على القطاع نتيجة تضرر منزلهم.
ويستعرض القاضي رحلته المحفوفة بالمخاطر خلال حديث لـ"سوا" قائلاً: ما إن وطأت قدمي الحدود حتى أطلق جنود الاحتلال النار نحونا وأصبت برصاصة في ظهري، كادت ان تكلفني حياتي، ومن ثم نقلت على اثرها للمستشفى لتلقي العلاج.
ويسرد القاضي الاسباب التي دفعته للرحلة: انتهى عقد عملي البطالة في بلدية رفح بعد انتهاء العدوان الاخير، وعندها شعرت بأن الدنيا أصبحت سوداء في عيناي لأنني لم أستطع أن أجد فرصة عمل أخرى.
وطالب القاضي المسؤولين بتوفير فرصة عمل لشخص واحد على الأقل في كل عائلة، ليتسنى لها أن تعيل نفسها دون الحاجة لأحد، آملاً في أن يتحسن الوضع في القطاع نحو الأفضل وتحقيق المصالحة التي ستحل كافة أزمات ومشاكل غزة حتى لا يقدم الشباب على الهروب من الوضع المأساوي.
أما الشاب محمد النعامي -19 عام- فلم تمنعه تجربة الاعتقال لمدة تسعة شهور في سجون الاحتلال من التفكير بتجربة التسلل مرة أخرى، معتبراً أن الحياة في السجن أفضل من حياته الكارثية في القطاع.
ويقول النعامي لـ"سوا"، تعبت جدا من وضع غزة والأزمات التي تتوالى علينا فليس هناك أمل لدي في أن أحصل على فرصة عمل بعد محاولاتي الحثيثة، "ففي السجن كنت أعمل وأحصل على راتب يومياً حيث عدت إلى القطاع بمبلغ بسيط ساعدني أن أعيل عائلتي لفترة".
ويستعرض النعامي للوضع الاقتصادي السيئ لاسرته كما وصفه والذي دفعها للاعتماد على مخصصات وزارة الشؤون الاجتماعية التي لا تسد كافة احتياجات عائلته المكونة من 12 فرداً، مطالباً بتوفير فرص عمل للشباب بغزة والتخفيف من مشكلة البطالة المتفشية بالمجتمع.
ويعرف عن الاحتلال الإسرائيلي همجيته في التعامل مع المعتقلين خاصة الشباب منهم، فالتعذيب والضرب الذي تعرض له الشاب عبد ربه أبو غنيم -19 عام- بعد أن اعتقل أثناء محاولته التسلل للأراضي المحتلة، منعه من التفكير والاقدام على اعادة التجربة ثانية.
ويقول أبو غنيم لـ"سوا" : تم اعتقالي في بداية عام 2014 بعد أن تسللت أنا وصديقي إلى الأراضي المحتلة من شرق جحر الديك وسط قطاع غزة، واقتادني الاحتلال لجهة وتم التحقيق معي ثم نقلت للسجن وتم الافراج عني بعد ثلاثة شهور من الاعتقال.
الوضع الاقتصادي الصعب الذي يشل قطاع غزة ويعاني منه أهالي غزة دفع الشاب أبو غنيم للخروج إلى الأراضي المحتلة لإيجاد فرصة عمل وتحسين وضعهم المعيشي الصعب.
ويعتبر أبو غنيم أن حياة السجن أفضل بكثير من حياته في القطاع، فهناك يتوفر عمل وراتب شهري من السلطة الفلسطينية ما يقارب 400 شيقل، إضافة لراحة الابتعاد عن مشاكل ومعاناة غزة وأزماتها الخانقة.
وتشير إحصائية حصلت عليها "سوا" من مركز الميزان لحقوق الإنسان أنه رصد خلال عام 2014 ما يقارب 57 حالة اعتقال، من بينها حوالي 22 طفلا.
ولوحظ أن حالات التسلل ازدادت في الأشهر الاخيرة من العام بعد العدوان الأخير الذي تعرض له القطاع، بينما ذكر تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية أنه عقب انتهاء العدوان الأخير وصلت نسبة الشبان المتسللين من القطاع إلى الأراضي المحتلة إلى 25%، حيث تسلل حوالي 170 فلسطينياً للأراضي المحتلة منذ بداية عام 2014 كما أشار التقرير.
وكانت قد أعلنت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة نهاية عام 2014، أنها شرعت في إجراءات جديدة لمنع تسلل الشبان إلى الأراضي المحتلة، و نشر قواتها على طول الشريط الحدودي لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة، وخاصة في المناطق الشرقية، خوفا من استفادة الاحتلال من تسلل الشبان الباحثين عن المال لإسقاطهم أمنياً.
وأكد الناطق باسم الوزارة بغزة إياد البزم أن الوضع الأمني على الحدود مضبوط ومستقر خلال الفترة الماضية، إلا أنه من فترة لأخرى يتم حالات تسلل من بعض الشبان المراهقين تجاه الأراضي المحتلة وتقوم قوات الامن باعتقال هؤلاء الشبان أو يتم اعتقالهم من قبل الاحتلال بعد تسللهم خارج حدود القطاع.
وقال البزم لـ"سوا" إنهم خلال الفترة الماضية عملوا على الزيادة من الاجراءات الامنية على طول الحدود وزيادة عدد النقاط الامنية من أجل منع أي مواطن من التسلل، مشيراً إلى أنه يواجهون صعوبة السيطرة على بعض المناطق الحدودية نظراً لحساسيتها، التي يستغلها بعض الشبان للهرب من خلالها.
وأوضح الناطق باسم الداخلية أن وزارته تقوم باجراءات أمنية وتوعوية للمواطنين وفئة الشباب في المناطق التي يسجل بها حالات تسلل، في اطار الاهتمام والحرص على ألا يستخدمهم العدو في مهام استخباراتية، لان الاحتلال يسعى لإسقاطهم في وحل التخابر.
وذكر البزم أنه بعد افراج الاحتلال عن الشبان تقوم الاجهزة الامنية باتخاذ بعض الاجراءات للتأكد مما حصل مع هؤلاء الشباب واتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم، واتخاذ الاجراءات الاحترازية خوفا من ان يكون الاحتلال قد اسقطهم في وحل التخابر.
وبيّن البزم أن غالبية الذين يتهربون باتجاه الاراضي المحتلة تتراوح اعمارهم ما بين 16-20 عام، وغالبا ما يكون مستواهم التعليمي متدني ووضعهم الاقتصادي صعب بالتالي هم يحاولون البحث عن ظروف افضل وقد يدفعهم الجهل باتجاه المخاطرة بحياتهم والتسلل نحو الأراضي المحتلة.
ويعيش قطاع غزة أوضاعاً كارثية وخاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير الذي دفع المئات من سكانه للهجرة والهرب من الواقع الصعب، فمنهم من خاطر بحياته وتسلل نحو الأراضي المحتلة وتعرض للاعتقال والضرب، وشق آخر هاجر بمراكب الموت التي خرجت من شواطئ الاسكندرية ولم يعرف مصير ركابها حتى اللحظة.