قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية المحتلة وبالسيادة الإسرائيلية عليها هو بمثابة توزيع هدايا من الذي "لا يملك لمن لا يستحق" كما قيل سابقاً عن وعد بلفور الذي بموجبه أرسل آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 رسالة إلى ليونيل والتر دي روتشيلد زعيم الجالية اليهودية في بريطانيا يعرب فيها عن دعم الحكومة البريطانية لإقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين" والذي نفذ عندما منحت بريطانيا السلطة باعتبارها الدولة المنتدبة من عصبة الأمم على فلسطين والأردن. بمعنى أن الحكومة البريطانية التي تولت احتلال فلسطين في إطار تركة الإمبراطورية العثمانية المنهارة تصرفت بأرض لا تملك الحق في منحها لغير أصحابها. وترامب يعيد التاريخ بصورة كاريكاتورية مأساوية وخطيرة.


ترامب يتصرف باعتباره سيد العالم ويملك حق التصرف في أي بقعة أو مكان في هذا الكون، فهو يمثل سياسة أكبر دولة استعمارية احتلت موقع بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، فلا تزال أميركا تحتل أجزاء من الأراضي السورية بخلاف رغبة السلطة الشرعية السورية التي ترفض هذا الوجود غير الشرعي والذي جاء لدعم المنظمات الإرهابية ضد النظام والدولة السورية، ويأتي الإعلان عن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل كتعويض لإسرائيل عن هزيمة أميركا وحلفائها وعن نيتها الانسحاب من سورية من دون ضمان ابتعاد القوات الإيرانية ومقاتلي "حزب الله" عن حدود الجولان المحتل للمسافة التي طلبتها إسرائيل.


وأكثر من ذلك يعتبر قرار ترامب محاولة أميركية واضحة وفاقعة للتدخل في الانتخابات الإسرائيلية لصالح رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو الذي حظي بهديتين ثمينتين: القدس التي اعترفت بها أميركا كعاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها بشكل مخالف للقرارات والمواثيق الدولية، والجولان السوري الذي منح لإسرائيل بصورة غير قانونية ومخالفة لقرار مجلس الأمن 497 من العام 1981، والذي صدر بعد قرار إسرائيل بسط سيادتها على الجولان.


الموقف الأميركي من الجولان يرسل رسالة قاطعة إلى سورية تقول أن إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية عبر المفاوضات تفضي إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وخاصة الجولان لم تعد قائمة في ظل السياسة الأميركية الراهنة، وأنه لا يوجد طريق آخر لاستعادة الجولان سوى بالقوة العسكرية. وهكذا يمثل قرار واشنطن إعلاناً بنهاية فكرة السلام القائم على الحقوق واستبداله بقوة الأمر الواقع الذي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، على اعتبار أن هذا هو القانون الذي يحكم صيرورة التاريخ. ولم يعد لسورية من خيار سوى البحث عن خيارات أخرى اعتماداً على الحق والقوانين والقرارات الدولية.


لا يكترث ترامب بأي قرار أو موقف دولي، ويريد بقرارات أحادية تغيير النظام الدولي ونسف التفاهمات التي حكمت سلوك معظم دول العالم، وهو في الواقع يختلف عن بعض الزعماء الأميركيين الآخرين الذين أرادوا التوصل إلى تسويات سياسية لإنهاء الصراع في المنطقة حتى لو لم يفلحوا. مع ذلك هو لا يناقض الموقف الأميركي الجوهري الذي يمنح الغطاء للاحتلال الإسرائيلي ويمنع فرض عقوبات  دولية على إسرائيل على الرغم من جرائمها بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ويغطي على العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني. فالتحالف الأميركي- الإسرائيلي يفوق في أهميته أية مبادئ أخلاقية أو قواعد للسلوك والقانون الدولي.


يبدو أن معالم المشروع الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط تركز على منح إسرائيل امتيازات كثيرة على حساب العرب الذين بات مطلوباً منهم ليس فقط تمويل هذا المشروع، بل والتنازل عن حقوقهم التاريخية لصالح إسرائيل التي تذهب نحو المزيد من التطرف اليميني العنصري، ولا تشكل على الإطلاق عنصراً للأمن والاستقرار في هذه المنطقة. ويظهر كذلك أن القيادتين الإسرائيلية والأميركية تستهتران بالعالم العربي وتقرآن موازين القوى التي تميل لصالح إسرائيل في هذه المرحلة بصورة خاطئة وكأنها سوف تدوم إلى الأبد. حتى ثورات الشعوب العربية التي لم تنجح للأسف في إحداث تغيير نحو الأفضل قرئت هي الأخرى بشكل مغلوط. وكان الأجدى بواشنطن أن تقرأ الواقع بصورة مغايرة مفادها أن الأمور بدأت بالتحرك وفي نهاية المطاف لا تبقى ساكنة أو راكدة تمنح إسرائيل وحليفتها القدرة الدائمة والتفوق المطلق.


في الواقع، يشكل موقف الرئيس ترامب استهتاراً واستخفافاً بالعرب، ويمثل تحدياً لإرادة الأمة التي لم تحرك ساكناً بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، ولا يبدو أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان سيغير السياسة الرسمية العربية تجاه واشنطن، وهذا الوضع العربي الخجل سيشجع الإدارة الأميركية على التدخل أكثر وبشكل فظ وغير مسبوق في شؤون الدول العربية، وقد تلجأ إلى تقسيمها وتفتيتها إذا كان هذا في مصلحتها ومصلحة حليفتها إسرائيل، وسينطبق على الدول التي تسير في فلك واشنطن القول المأثور "أُكلت يوم أكل الثور الأبيض".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد