في أول شتاء بعد العدوان: "لمّة العيلة" ترفٌ صعب المنال
غزة / خاص سوا / جمعتهم ذات الجدران لعشرات السنين إلى أن تاهوا في الأرض بعد أن دمرت آلة الحرب الإسرائيلية منازلهم، ودمرت معها كل الآمال التي علقوها عليها، وخطفت عواطفهم وضحكاتهم وحكاياهم المشتركة، فباتت "لمة العيلة" و"القعدة في قلب الدار" ترفًا صعب المنال، وحلمًا يتلاشى أمام الإعمار المؤجلِ إلى حين.
نائل العمصي (34 عامًا) – الذي كان يسكن مع والدته وإخوته الثمانية في منزل واحد مكون من أربعة طوابق- يقول كان معارفنا وجيراننا يحسدوننا على "جمعتنا" وعلاقتنا الطيبة والتفافنا حول بعضنا بالرُغم من عددنا الكبير.
يتابع لوكالة (سوا)"كنا قرابة السبعين شخصًا نجتمع بشكل شبه يومي، وكنا نستقبل كل يوم جمعة اخواتي المتزوجات وابنائهن فكان المنزل يمتلئ عن آخره بالضحك والفرح".
ويروي نائل بحسرة بعد ان دمر الاحتلال الاسرائيلي منزلنا خلال العدوان الاخير في يوليو/تموز حاولنا أن نستأجر شققًا متجاورة كوننا اعتدنا العيش سويًا، لكن اصحاب الشقق السكنية تخوّفوا من طلبنا، فبما أن منزلنا دُمر، فهذا قد يهدد سلامة عقاراتهم في أي عدوان آخر محتمل.
ويقول بعد أن كان يجمعنا منزل واحد"تفرقنا"، ونعيش حاليًا في مناطق متباعدة فأنا مثلًا أسكن في"تل الهوى" أما اخوتي فيتوزعون في أحياء النصر والزيتون وعسقولة.
ويردف خلال الخمسة أشهر الفائتة لم نلتق جميعًا ولو لمرة واحدة، صار اجتماع احدنا بالآخر امرا صعبًا ونادرًا.
ويتذمر نائل من تأخر عملية الاعمار "إحنا مش عايشين إحنا تعبنا"، ويضيف "أشعر بأني غريب فكل عائلة في العمارة السكنية التي اسكنها حاليًا لها طابع اجتماعي مختلف عن ذلك الذي اعتدت عليه, مستبعدًا ان يلتئم شمل عائلته قريبا بسبب استمرار الحصار وبطء دخول مواد البناء اللازمة للإعمار.
أما الشابة ايه الغماري (22 عامًا) التي كانت تجمع عائلتها وعوائل أعمامها عمارة سكنية واحدة في حي الشجاعية تقول علاقتنا كانت قوية كنا نتزاور ونقضي يومنا بأكمله سويًا.
تتابع لـ(سوا) بعدما قصفت الطائرات الاسرائيلية منزلنا تفرقنا فبعضنا استأجر شققًا سكنية وآخرين سكنوا مؤقتًا لدى أقارب لنا.
تسرد بعد الحرب لم نعد نلتقي فالكل منشغل بمأساته وهمّه الوحيد إيجاد منزل يأويه، تضيف"هذا الشتاء كئيب خلال الاعوام الفائتةكنت اجتمع مع بنات أعمامي نتحدث ونسهر ونخرج سويًاوالله كانت لمة حلوة" اما الان فلم نعد نشعر بالمناسبات سواء مرّت ام لم تمر.
وعن امنياتها اليوم تقول آية "أحلم بان ارى البناية كما كانت في السابق ونجتمع من جديد" .. لكن الواقع لا يبشر بلقاء قريب "فنسمع عن دخول مواد البناء لكنما يُمنح لنا لا يتجاوز كميات محدودة من حجارة البناء بحيث لا تكفي لإعمار ما دُمر.
أما الحاجة الستينية أم طارق التي كانت تسكن شرق مدينة رفح_ فأكثر ما يعزّ عليها هو فراق ابنائها واحفادها الذين كانوا يمرّون عليها صباحًا قبل الذهاب لعملهم ومدارسهم ويسألون رضاها.
وتفتقد الام لتسعة أبناء لقائها المسائي بهم، تقول "كانوا ينهون مشاغلهم ويلتفون حولي"، تتابع وبمثل هذه الايام الباردة وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي كان ابنائي يوقدون النار ونقضي لحظات ممتعة.
وتضيف اما الآن وبعدما دمرت القذائف الاسرائيلية منزلنا فالوضع بات مختلفًا"وكل واحد فيهم الله يسهل عليه صار بمنطقة"، فلم اعد التقي بهم كالسابق.
من جانبه شدد الدكتور درداح الشاعر أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى ان المكان والزمان لا يُفترض أن يؤثرا على طبيعة العلاقة بين الناس، فإن تفرقوا بفعل العدوان فيجب ان تبق صور التواصل والتعاطف والتواد من خلال الزيارات، فالأصل بقاء العاطفة الاخوية بين الاقارب رُغم الازمات التي تعصف بهم.
ويرى الشاعر أن العدوان الاسرائيلي ترك آثارًا ايجابية على العلاقات الاجتماعية "فوجدنا التكافل والتعاون والتآزر الاجتماعي"، أما الجانب السلبي فتمثل بانشغال الناس بالبحث عنمأوى، فباتالكل مهتم بنفسه غير مكترث لأخيه.