رغم أن خمس دول عربية من أصل نحو اثنتين وعشرين دولة قد شهدت قبل أربع سنوات حراكاً شعبياً، يكاد يكون متزامناً، إلا أن مسار ذلك الحراك لم يكن واحداً، ورغم أن ثلاث دول من أصل الدول الخمس، هي متجاورة، وتقع في الجناح الأفريقي من الوطن العربي، ونقصد كلاً من مصر، ليبيا، وتونس، إلا أن ما حدث خلال السنوات الأربع كان متبايناً بينها، كذلك فان حجم أو مستوى أو شقة التباين، حين نضيف لهذه الدول الثلاث سورية واليمن، تتسع.
أولا وقبل كل شيء، يمكن ملاحظة، أن الحراك الشعبي، أو ما اصطلح على تسميته في ذلك الحين بالربيع العربي، في محاولة من المتابعين للإشارة بانتساب الظاهرة لفصل الربيع، حيث بدأ الحراك في تونس، ومن ثم في مصر، مطلع العام 2011، ثم اتسعت الدائرة، لتشمل ليبيا وسورية في شهر آذار، أي في فصل الربيع، فيما تشير التسمية إلى محاولة لإضفاء التفاؤل على الظاهرة، ففي الربيع عادة تت فتح الأزهار وتخرج الكائنات الحية من بياتها الشتوي، وكأن ذلك يعني بأن الشعوب العربية قد استفاقت أخيرا، وثارت على حالة الركود التي رافقتها طوال عقود طويلة مضت.
المهم، انه ورغم ظهور بوادر، وربما إرهاصات لحراكات عربية أخرى، كما حدث في البحرين، الأردن، السودان، العراق، وغيرها، إلا أن يداً خفية، ربما هي يد بعض الدول الإقليمية وحتى الدولية، أوقفت «الدعم الإعلامي» وحتى الدعم المالي واللوجستي، ثم كان لحالة التعثر والتداخل بعد ذلك علاقة بتراجع ال حماس الشعبي العربي للاهتمام بذلك الحراك، الذي أثار الدنيا بأسرها حين نجح في رمشة عين بإسقاط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في كل من تونس ومصر، خلال أيام أو أسابيع قليلة، فيما كان للتدخل الدولي في ليبيا، والتدخل الإقليمي في اليمن، كذلك عدم حسم الحرب في سورية، حتى اللحظة، دخل في عدم اتساع دائرة الحراك لتشمل كل الدول العربية أو معظمها، وهذا أمر من الطبيعي توقعه، نظراً لأن كل الأنظمة العربية إنما هي أنظمة مستبدة، وكل المجتمعات العربية تعاني من الفقر والبطالة والعسف والجور، وان كانت بعض الدول _ مثل دول الخليج _ تمتاز بكونها دولا غنية بثروات طبيعية، وغير مكتظة بالسكان في نفس الوقت !
المهم، أن نظامي بن علي ومبارك سقطا سريعاً، فيما تم قتل الرئيس الليبي، بعد حرب ضروس استمرت نحو عام، بعد مشاركة عسكرية من حلف الأطلسي ضده وضد قواته، وبالنتيجة بأنه باستثناء تونس أولاً ومصر ثانياً، فان الثورة الشعبية، لم تحقق أولا _ بعد _ كل أو حتى جل أهدافها، بل أنها أفضت إلى مخاطر لم تكن قائمة، من مثل تفكيك البلاد، وتهديد الوحدة الوطنية، كما يحدث مع ليبيا ومع اليمن ومع سورية أيضاً.
تونس خاصة بعد دورتين انتخابيتين، كانت أنصع تجربة، فهي اقل الدول التي شهدت سقوط الضحايا، كذلك فإنها وإن كانت قد شهدت فوز الإسلام السياسي بالأغلبية البرلمانية وكذلك بمقعد الرئاسة في الدورة الأولى في عهد ما بعد بن علي، فان خروج « أخوان تونس « من الحكم، لم يكن بشكل قسري، ولم يكن بحاجة إلى ثورة ثانية، كما حدث في مصر مثلاً، وبذلك فيمكن القول بان تونس مثلت التجربة الأنضج، ومن ثم تلتها مصر.
اليوم، وبعد مرور أربع سنوات على ثورة 25 يناير في مصر، من الضروري ملاحظة أن الحراك ما زال مستمراً، وإن كان بشكل ناعم الآن، خاصة بعد التصحيح الذي حدث في 30 يونيو العام 2013، ويمكن القول أيضا بأن ثورة يناير قد حققت بعض أهدافها، أو أنها وضعت حدا لنية التوريث التي كان يحضر لها نظام مبارك، وكانت أغلبية الشعب المصري بما في ذلك القوات المسلحة ترفضها، كذلك وضعت دستورا يضع حدا لظاهرة الرئيس مدى الحياة، لكنها ما زالت لم ترس دولة المؤسسات أو الدولة الديمقراطية / المدنية بالكامل.
صحيح أن احتجاج الشعب المصري على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم يصل لمستوى الاحتجاج على حكم الأخوان، والذي وصل إلى حدود إطلاق ثورة 30 حزيران بمشاركة أكثر من ثلاثين مليوناً فيها، والذي أسقط حكمهم بعد عام واحد فقط، إلا أن حجم المظاهرات التي جرت أول من أمس يؤكد على أن الشعب المصري ما زال ينتظر أكثر مما حققه حتى اللحظة.
لا يمكن إرجاع أهمية تظاهرات أول أمس لإخوان مصر، ولا للتدليل على أن من خرج للشارع في ذلك اليوم يؤيد مطالبهم أو شعاراتهم التي ما زال بعضها يصر على إعادة العقارب للوراء، ولكن يمكن أن تنسب تلك التظاهرات لتحالف القوى الشعبية، وتيار اليسار السياسي والاجتماعي، الذي يريد التأكيد على مدنية الدولة، ذلك أن خارطة الطريق التي جاءت على اثر 30 يونيو، قد مدت من عمر المرحلة الانتقالية مدة عام كامل أولا، ثم أنها ذهبت لانتخابات الرئاسة قبل البرلمان ثانياً، وليس هذا فحسب، بل تعمدت عدم إجراء انتخابات مجلس الشعب بسرعة، وهذا يعني منح الرئاسة المصرية الوقت لبسط سيطرتها على الدولة دون رقابة أو مشاركة من احد. مع ذلك فان ما ينقص مصر الآن هو عودة الأحزاب لرسم الخارطة السياسية الداخلية، ولا يكون ذلك إلا مع انتخابات مجلس الشعب، وحيث أن الرئيس السيسي، لم يصل للمنصب على أكف أي من الأحزاب، فان صورة الدولة حتى اللحظة تظل صورة الدولة العسكرية، وهذا ما يدعو شرائح شعبية متزايدة للاحتجاج، حيث لم تقم لا ثورة يناير ولا 30 يونيو من أجل الاختيار بين أعظم قوتين داخل مصر: المؤسسة العسكرية والإخوان، بل من أجل إقامة الجمهورية الثانية : المدنية / الديمقراطية بكل معنى الكلمة، وبكل استحقاقاتها وتجلياتها.
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد