جئت لأراك فوجدت كل الممرات المغلقة. 


عشرات من الشخصيات الوطنية، وعشرات من الصحافيين ورجال الأمن.
كان المشهد مزدحماً.


كنتَ مضرجاً بدمك، وتابعت حديثك مع الرئيس وأحسست أنهم لم يتمكنوا منك.
ستروي بنفسك للناس حول ما جرى معك.


عرفتُ بعض التفاصيل. لن أكتب عنها لأننا جميعاً نريدك أن تنهض لترويها.
هذه روايتك التي لم تكتمل بعد.


أنت البطل فيها، وأما شخصياتك فهم فقراء شعبك. وعشّاق الوطن الذي يتكوّن في رحم الألم.


لم يكن حتى ليخطر في بال أحد أن الخسّة قد وصلت إلى ما وصلت إليه، ولم يكن لأحد منا أن يتصور هذا القدر المرعب من الحقد الذي انهال عليك.
مرّة أخرى نخطئ التقدير.


نعرف أن الفاشية «الدينية» متوحشة، ونعرف أن الحقن الأيديولوجي المريض يوصل إلى الغطرسة والهمجية، ولكن نعرف أن انصهار التدين الأرعن مع الجهل يؤدي إلى الإرهاب السافر، ولكن نوقن أن تغليف السلطة السياسية بالدين يعني التسلط والبطش ولكننا مع ذلك لم نقدر الأمر جيداً، لأننا لم نفهم ونقدر وندرك مستوى الانحطاط الذي وصلت إليه الجماعات الدينية المتأسلمة التي تتحكم برقاب شعبنا في القطاع الحبيب.


اعتقدنا «ساذجين» أن الضمائر مهما تم تدنيسها وحشوها بالأكاذيب والخدع، والأيدي التي قاتلت، لا بد وأن ترتجف ولو قليلاً وهي تهوي على جسد كاتب ومبدع وروائي ووطني بشهادة تفوق عالية... نعم كنا ساذجين، بل وفي غاية السذاجة عندما تخيلنا أن ذرة واحدة من «الضمير» الوطني أو الإنساني، أو ذرة أصغر من الوازع الديني والأخلاقي ربما ستخفف من وقع الهراوات والمواسير الحديدية على جسدك النحيف.


أستطيع أن أتصور كيف أنك حاولت أن تحمي الرأس والوجه باليدين والأرجل، وأستطيع أن أتصور ما كان دار في خلدك وأنت في اللحظات الفاصلة بين ماسورة وماسورة، وكيف أن مبدعاً مثلك قد حاول إبعاد شبح الموت بكل ما في روحه من قوة وصلابة وإيمان، لكننا وربما أنت أيضاً كنت من بين من اعتقدوا ساذجين بأن فكرة القتل كانت مستبعدة، لنكتشف (بعد طول سذاجة) أن ست عشرة دقيقة من الضرب المتواصل بأشد ما يملك عشرة رجال من قوة بالهراوات والمواسير الحديدية كانت ستؤدي حتماً إلى النتيجة العادية المتوقعة وهي القتل ضرباً بمواسير الحديد.


تصوروا معي ماذا سيكتب في كتب التاريخ بعد عدة عشرات من السنين فقط، إن لم نقل قبل ذلك بكثير.


[قتل وإعدام روائي ومبدع فلسطيني ضرباً بمواسير من الحديد على أيدي عصابات تابعة للجماعات الدينية المتأسلمة التي كانت تحكم قطاع غزة ]. 


والمسألة أصبحت أبعد وأخطر من صراع على لقمة العيش المنهوبة، وعلى حريات مستلبة، أو على فقر تجاوز كل المعايير وعلى عوز شحّ فيه ملح الطعام.


المسألة التي نحن أمامها اليوم هي في وطن يحاول عشّاقه أن ينقذوه قبل أن تتمكن منه يد الغدر والاختطاف.


نعم كنا ساذجين وأكثر عندما اعتقدنا أن مبدعاً ومثقفاً وعلماً وطنياً له بعض الحصانة، حتى ولو حصانة من الموت قتلاً بالمواسير الحديدية، لنكتشف أننا لم نعِ بعد، ولم نتعلم بما يكفي، ولم نتعرف كما يجب على الفصائل المعدودة على البشرية والآدمية وما وصلت إليه من غرائزية منفلتة.


من أين جاؤوا، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، ما نوع التربية التي تربوا عليها وأية ثقافة كانت تتلى عليهم؟ كنا ساذجين إلى أبعد حدود السذاجة بالمقابل حين اعتقدنا أن غزة التي خدعت بشعارات «المقاومة» يمكن أن تستكين أو تستسلم، وكنا ساذجين عندما لم نقدّر هذا الفيض الهائل من الكرامة في عقول وقلوب هؤلاء الشباب من أبطال الحراك المنيع.


وكنا ساذجين حين لم ندرك ولم نقرأ جيداً تاريخ غزة في مسيرة الشعب الفلسطيني، وكيف أنها عصية كما كانت دائماً عندما يتعلق الأمر بهوية الوطن والشعب ووهج الكفاح الوطني.

أما أنت يا عاطف فانهض من سرير الشفاء، لأننا نحتاج إليك اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، وفقراء غزة هم أحوجنا جميعاً إليك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد