المغاربة سكنوا القدس ، والقدس سكنت قلوب المغاربة
المملكة المغربية هي دولة عربية شقيقة تقع في أقصى غرب شمال أفريقيا، وعاصمتها الرباط، وتطل على البحر المتوسط شمالاً وعلى المحيط الأطلسي غرباً، يتوسطهما مضيق جبل طارق. وتحدها شرقاً الجزائر، وجنوباً موريتانيا.
وهي وجهة تستحق الزيارة حقاً، ليس لأنها عربية فقط، أو لأن طبيعتها الخلابة تُسحرك وفيها الكثير من المعالم الأثرية والإسلامية والأماكن السياحية الرائعة فحسب، وإنما لأنها ملكاً وحكومةً وشعباً، تقف سنداً لفلسطين ومقدساتها، وداعماً أساسياً لشعبنا الفلسطيني وقضاياه العادلة وحقوقه الثابتة.
لقد زرت دول عديدة، وتنقلت بين عواصم عربية وأوروبية كثيرة، وقد حَظيتُ بشرف زيارة للمغرب عام 2011، والتقيت بشعبها الأصيل، وتجولت في بعض مدنها، واستمتعت بجمالها وطبيعتها. وما زالت تربطني علاقات صداقة وتواصل دائم مع العديد من الاشقاء الوطنيين والقامات الرفيعة في المغرب. وكلما ذُكرت المغرب، حضَرَت لدىّ تلك الأيام الجميلة التي قضيتها فوق أراضيها. وإن حضرت تلك الأيام، ازددت شوقاً للعودة إليها من جديد وزيارتها مرة ثانية، لأنها المغرب التي تُجذبك باهتمامها بك ومحبتها لك وحرصها عليك كفلسطيني. فتلمس لدى أشقاءنا المغاربة الوفاء لفلسطين والمشاعر الصادقة تجاه القدس، وكما يقولون: "المغاربة سكنوا القدس، والقدس سكنت قلوب المغاربة"، ونحن نقول لهم: المغرب حاضرة في القدس عبر التاريخ، وفي المغرب تشرق شمس القدس ولا تغرب.
لقد قرأت خلال مسيرة حياتي النضالية عن الكثير من الفدائيين المغاربة، الذين انخرطوا في الثورة الفلسطينية المعاصرة من خلال فصائل العمل الوطني، وشاركوا اخوانهم الفلسطينيين في مقاومتهم للمحتل، ليؤكدوا مع أشقائهم العرب بأن قضية فلسطين لم تكن في يومٍ من الأيام، قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية العرب في كل مكان، ولأجلها ودفاعاً عنها قدّم العرب آلاف الشهداء، فضلاً عن المئات من العرب الأسرى، فكان هناك شهداء واسرى مغربيون، سنبقى أوفيا مخلصين لهم وأن الذاكرة الفلسطينية لن تنساهم، وسيبقى التاريخ الفلسطيني يحفظ أسمائهم ووفيا لدمائهم وتضحياتهم. ونادية البرادلي هي واحدة من المناضلات المغربيات اللواتي انتمين للثورة الفلسطينية وناضلت في صفوفها ودخلت السجون الإسرائيلية وقضت سنوات فيها على اثر مشاركتها في مقاومة الاحتلال.
استوقفني اسمها منذ زمن بعيد، فتابعت قصتها، فأذهلتني جرأتها الشرسة، وشجاعتها الفدائية، مقاتلة مغربية في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة. وقصتها تصلح سيناريو عظيم لفيلم بطول المسافة بين فلسطين والمغرب.
فتاة عربية جميلة، شقراء، ثرية، مغربية الأصل والنشأة، فلسطينية العشق والانتماء، آمنت بالفكرة وبالثورة طريقاً، وأدارت ظهرها لكل مظاهر الترف واختارت أن تصبح فدائية عربية تضحي بحياتها في سبيل قضية العرب الأولى، في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
اقتحمت إسرائيل في 11 ابريل عام1971، ضمن مجموعة تضم شقيقتها وثلاثة فرنسيين آخرين، للقيام بعملية فدائية مهمتها تفجير تسعة فنادق في قلب تل أبيب.
دخلت نادية إسرائيل بجواز سفر فرنسي مزور، تحت اسم "هيلين ماترين" برفقة شقيقتها الصغرى، فعثر في مطار اللد وبين أمتعتهما على بودرة متفجرات، شديدة الانفجار، وبطاريات لأجهزة التفجير، داخل أكعاب أحذية وضمن مساحيق التجميل وداخل الملابس.
اعتقلت نادية مع شقيقتها، وتعرضتا لصنوف مختلفة من التعذيب، لعدة شهور داخل غرف انفرادية معتمة. ومع توالي التحقيقات، استقدم الإسرائيليون خبراء متخصصين في صناعة وتفكيك المتفجرات، فتأكدوا من أن الملابس التي كانت بحوزة الأختين مشبعة بمواد بلاستيكية قابلة للانفجار وقادرة على تدمير الفنادق التسعة بسهولة فائقة.
تلكم هي نادية خليل البرادلي، الأسيرة العربية المغربية المحررة، التي لم تنل حقها في الإعلام العربي، حتى بدا للكثير من الثوار الفلسطينيين والمغاربة أنهم لم يسمعوا بها!.
ولدت نادية عام 1945 في المغرب. وتابعت دراستها في الفلسفة والآداب بجامعة السوربون بفرنسا. وهناك في العام 1971 تعرضت لحادث مؤسف، فأنقذها منه جارها، الذي صادف أنه فلسطيني من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يرأس المكتب الأوربي للتنظيم في باريس. فخلق الحادث بينهما صداقة، وتعرفت منه على القضية الفلسطينية، وممارسات إسرائيل بحق أبناء شعبه. فعشقت القضية وانتمت إليها، والتحقت بالجبهة الشعبية، وقررت اقتحام إسرائيل وتنفيذ عملية فدائية نوعية هناك، دعما للثورة الفلسطينية.
أصدرت المحكمة الإسرائيلية على نادية حكماً بالسجن اثنتي عشرة سنة، فيما نالت أختها عشر سنوات.
في أبريل عام 1974 ـ بعد مرور ثلاث سنوات في سجن "نفي تريستا" ـ أُفرج عن نادية جراء تدهور وضعها الصحي، فأُبعدت من السجن بطائرة توجهت بها الى باريس، ومن ثم توجهت إلى لبنان، لتواصل عملها الثوري في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. قبل أن تتزوج من أستاذ جامعي فلسطيني من نشطاء "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
تقول في مقابلة صحفية أُجريت معها: "بعد إطلاق سراحي، توجهت الى لبنان حيث وجود المقاومة الفلسطينية، ومكثت هناك سبع سنوات، فقد خرجت من السجن وأنا أكثر إصرارا من ذي قبل على مواصلة النضال، لعل معايشتي اليومية للفلسطينيات في السجن كانت وراء هذا القرار، فقد عرفت منهن حقائق كثيرة أجهلها. وعندما خرجت من السجن، كنت ممزقة للغاية، ولا أنسى أبدا وجوه وأصوات الفتيات وهن ينادين عليّ. كما أنني تركت أختي في السجن، ولم تخرج إلا بعد ذلك بعامين. وقد عدت إلى المغرب قبل غزو اسرائيل للبنان بشهر واحد".
وعن حياتها الخاصة تقول ناديه: "لقد تزوجت وأنا في لبنان، وعشت مع زوجي وهو أستاذ جامعي فلسطيني سنوات النضال الصعبة في لبنان، ولكننا انفصلنا هنا في المغرب بعد أن عشنا عشر سنوات معاً".
بعد سنوات من عودتها للمغرب، واستقرارها هناك حيث عملت في الصحافة والاعلام، خطفها الموت في صيف عام 1995، متأثرة بالأمراض التي ورثتها عن السجون الإسرائيلية أثناء فترة اعتقالها.
نادية فدائية من طراز خاص، تعكس حقيقية المرأة المغربية، ومشاركتها الفاعلة في النضال الوطني والقومي، وفي الشأن السياسي والدبلوماسي. فهي تذكرنا بكوكبة من المغربيات اللواتي كان لهن بصمات واضحة. إنها تذكرنا بـ"فاطمة الفهرية " من فاس التي تعتبر أول امرأة أسست جامعة في العالم بأسره، اسمها جامعة القرويين. وتذكرنا بالرياضية "نوال المتوكل" التي فازت بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس سنة 1984. وتذكرنا كذلك بالفلكية المغربية "مريم شديد" التي وصلت الى القطب الجنوبي المتجمد. وتذكرنا بالطيارة الشابة "ثريا الشاوي" والسيدة "سعيدة عباد" أول امرأة تقود القطار في العالم العربي.
ويبقى اسم نادية البرادلي محفورا في الذاكرة الفلسطينية ومفخرة كل العرب. وقصتها تصلح سيناريو عظيم لفيلم بطول المسافة بين فلسطين والمغرب. وتبقى المملكة المغربية حاضرة في فلسطين. فالمغاربة سكنوا العاصمة المقدسية والقدس تسكن قلوب المغاربة. وهناك في المغرب تشرق شمس القدس ولا تَغرب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية