"الهجوم على القنيطرة: فتح حساب مع طهران"
القدس / سوا / تناول المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، اليوم الجمعة، مرة أخرى الهجوم على القنيطرة، من جهة أن اغتيال ستة إيرانيين، بينهم جنرال، يعني أن إسرائيل ت فتح حسابا جديدا مع طهران، وأن قرار تنفيذ الهجوم من قبل وزير الأمن يعني أنه خرج عن "الخط المتزن" الذي يتصف به، وبالتالي فقد تتبدد التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية التي تقلل من فرص اندلاع حرب باعتبار أن لا مصلحة للطرفين في خوضها في الظروف الحالية.
واعتبرعاموس هرئيل اغتيال ستة من عناصر حزب الله على أنه استهداف لمجموعة كانت بمثابة "قنبلة موقوتة"، وكانت تهدف إلى إقامة شبكة عملانية جديدة لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وسبق لها أن أطلقت في أربع مرات صواريخ باتجاه الجولان المحتل أثناء الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة .
كما اعتبر أن استهداف عناصر حزب الله، والذي توقع أنه كان محط إجماع من قبل المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين، يأتي في إطار سلسلة من العمليات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله، مع الحفاظ على عدم خروج الأمور عن السيطرة، وألا تتدهور إلى حرب أخرى.
ويضيف أن القضية تتعقد بسبب وجود الجنرال الإيراني محمد الله دادي، الذي يوصف بأنه رجل الاتصال بين "فيلق القدس" التابع لحرس الثورة، وبين مجموعة حزب الله بقيادة جهاد مغنية، خاصة وأن إسرائيل كانت تتجنب حتى اليوم من المواجهة المباشرة مع الإيرانيين على حدودها، رغم نشاط حرس الثورة في سورية ولبنان.
وأضاف أنه عندما كان يتم اغتيال علماء ذرة إيرانيين كان بإمكان إسرائيل أن تنفي علمها بذلك، ولكن الظروف مختلفة في الجولان، إضافة إلى أن قوة الأمم المتحدة في الجولان أكدت في بيان رسمي أن طائرات إسرائيلية بدون طيار عبرت الحدود وقصفت القافلة. وبالتالي فإن إسرائيل، بالنسبة لإيران، تفتح حسابا جديدا.
وبحسب هرئيل، فإن متخذي القرار بتنفيذ الهجوم كانوا، على الأرجح، يعلمون بوجود الجنرال الإيراني، ولذلك فإن جوهر القضية لا يكمن في فجوة استخبارية، وإنما في الاعتبارات العملانية لمتخذي القرار بشن الهجوم.
ويشير في هذا السياق إلى أنه في العقود الثلاثة الأخيرة نفذت إسرائيل، أو نسب لها في وسائل إعلام أجنبية، نفذت عشرات الهجمات على "ناشطي إرهاب"، في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والسودان وتونس ولبنان وسورية وإمارات الخليج وإيران. ويتابع أنه تم جمع معلومات استخبارية لهذه الهجمات لفترة طويلة، ولكن دائما يتوقع أن ينشأ وضع يصل فيه معطى استخباري مصيري في اللحظة الأخيرة إلى متخذي القرار.
وبحسبه فإنه عندما يكون الهدف متحركا، مثل قافلة مغنية الأحد الماضين فإنه يجب اتخاذ القرارات خلال فترة زمنية قصيرة، وأن التردد قد يعني عمليا تفويت الفرصة لتنفيذ العملية وإلغاءها. وفي هذه الحالة فإن القرار يكون بيد المستوى السياسي بشكل مبدئي، وفي اللحظة الحقيقية فإن من يحسم في ذلك هو وزير الأمن ومعه رئيس الحكومة إذا كان هناك ما يكفي من الوقت لإطلاعه على التوقيت.
ويصف هرئيل وزير الأمن، موشي يعالون، على أنه هادئ حتى في ظروف الضغط العملاني الشديد. ويشير في هذا السياق إلى أشرطة صوتية تم بثها قبل سنة تضمنت تسجيلات من شبكة الاتصال في عملية اغتيال الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988، حيث أشغل يعالون في حينه قائدا لـ"سييرت متكال"، على أنها تؤكد هذا الانطباع. كما يعتبر أنه في الحرب الأخيرة على قطاع غزة كان يعالون الشخصية الأقوى في المثلث الأمني الذي ضمه مع رئيس الحكومة ورئيس أركان الجيش، وأنه بالنتيجة فقد أديرت الحرب بحكمة ومسؤولية. ويخلص الكاتب إلى نتيجة أنه إذا الهجوم على القنيطرة قد نفذ من قبل إسرائيل، فإن الحديث يكون عن خروج يعالون عن هذا "الخط المتزن" الذي يوصف به.
ويعود الكاتب، ليؤكد تحليله لشخصية يعالون، إلى العام 2003، في أوج الانتفاضة الثانية، فيقول إن يعالون أشغل في حينه منصب رئيس أركان الجيش، في حين أشغل آفي ديختر منصب رئيس الشاباك. وأنه عندما بحث رئيس الحكومة في حينه، أرئيل شارون، عن وقف لإطلاق النار لتهدئة القتال، نشب جدال بين يعالون وديختر. وأنه "في حين تركزت جهود الشاباك على صد الشبكات الإرهابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومحاولة اعتقال وقتل الناشطين المركزيين، فإن الجيش قدم توصيات تتضمن الأخذ بالحسبان اعتبارات أوسع، وإبقاء أفق من الأمل الاقتصادي للسكان الفلسطينيين. وعندما طلب ديختر تنفيذ المزيد من الاغتيالات الموضعية، اتهمه يعالون بالنظرة الضيقة للظروف".
ويتابع أن حالة التوتر الشديدة في الشمال تمثلت هذا الأسبوع في الحراسة المشددة على المستوطنات على طول الحدود، وتشخيص حركات مشبوهة، وتقارير في القنوات التلفزيونية، بيد أن النتائج العملية لعملية الاغتيال ستضح لاحقا، ولكنه لا شكل أن خطر الحرب مع حزب الله، بدعم إيراني، قائم، علما أنه كانت هناك فترات سابقة من التوتر نتيجة عمليات نسبت لإسرائيل، مثل استهداف "المفاعل النووي" في سورية عام 2007، واغتيال عماد مغنية والجنرال السوري محمد سليمان، ولكنها انتهت دون حرب.
ويقول الكاتب إن الأداء الإسرائيلي في الشمال منذ عملية الاغتيال يظهر وكأن هناك محاولة لتهدئة الوضع قدر الإمكان، وذلك استنادا إلى الأجواء السائدة في الأجهزة الأمنية. فإلى جانب تعزيز الحراسة واليقظة، فقد جرى تقليص حركة القوات غير الضرورة على طول الحدود، انطلاقا من تقديرات تشير إلى أن حزب الله قد يلجأ إلى الرد بعملية ينفذها هو، في حين تسعى إسرائيل إلى احتواء التوتر، وعدم الانجرار إلى قتال طويل.
ويشير في هذا السياق إلى تقديرات دائرة الاستخبارات في هيئة أركان الجيش للعام 2015، والتي تتحدث عن "دينامية التصعيد" المحتملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعلى الحدود. وبحسبها فقد "تراجع التهديد العسكري التقليدي على إسرائيل إلى الحد الأدنى مع انهيار الجيش السوري في الحرب، إضافة إلى توطد علاقات إسرائيل مع مصر. ولكن الهزات في العالم العربي، إضافة إلى الأزمة السياسية مع الفلسطينيين، توفر إمكانية تدهور الأوضاع في الشمال وفي الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فإن حادثة موضعية قد تؤدي إلى حرب لا مصلحة إستراتجية للطرفين في حصولها".
ويلفت هرئيل في هذا السياق إلى أنه قبيل الحرب الأخيرة على قطاع غزة، كانت تقديرات غالبية الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية تشير إلى أن حركة حماس غير معنية بالحرب. كما حصل أمر مماثل في الساحة السياسية الإسرائيلية حيث تحول التكتيكي إلى إستراتيجي. فعندما دخل نتانياهو في صراع مع الوزراء يائير لبيد وتسيبي ليفني، فإن قلة قليلة توقعت أن يؤدي هذا التوتر بالضرورة إلى معركة انتخابية للكنيست.