انها ليست وصفة طبية يتم تركيب مكونتها في أحد معامل الكيمياء، كي تُناسب مرضى بعينهم وتُعالج أمراضهم، ولكنها صفقة سوداء، تُريد تغيير معالم المنطقة وتأجيج الصراع وتحويله من صراع سياسي إلى صراع ديني، كان الخلاف أهي صفقة أم خطة أم فكرة تم بناء لبنتها الأولى من تصريحات إعلامية، حتى اكتملت معالمها لتصل إلينا على شكل صفقة سياسية يفرضها الطرف القوي على الضعيف.

صفقة القرن تلوح في الأفق من جديد ويقترب موعد الإعلان عنها، ونحن كفلسطينيين لا زلنا نهاجم بعضناً البعض بأن أي تصرف من تصرفات الأحزاب السياسية المتناحرة يمثل قَبول بصفقة القرن وتنفيذ لبرامجها وتهيئة لمبادئها وأركانها، نتقاطع في الأفكار ونتصادم بالواقع، بإننا اللاعب الأكبر في تنفيذ الصفقة من عدمه.

جولة جديدة لمبعوث الإدارة الامريكية كوشنير إلى الدول العربية والاقليمية لنيل رضاها عما تطرحه الولايات المتحدة من صفقة جديدة لحل الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي، مُلخص التصريحات العربية بعد لقاء كوشنير تُشير إلى تمسكهم ب القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، وأن أي صفقة يتم فيها التنازل عن القدس غير مُرحب بها من طرفهم.

القيادة الفلسطينية اتخذت موقفها من الصفقة ورفضتها قبل أن ترى النور، لأنها تعلم أن الصفقة لن تكون في صالح القضية الفلسطينية، ولكن ما مصيرنا بعد أن تُفرض الصفقة ونرفضها وتفشل؟

بالتأكيد استمعت القيادة الفلسطينية للكلمات التي أطلقها المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط دينيس روس 28 شباط 2019م، خلال حديثه في منتدى الغد للشرق الأوسط2019م، حيث قال" "ربما تعتقدون أن إسرائيل قوية، لكن للفلسطينيين قوة الضعيف، وتتمثل قوة الضعيف في قوله (لا)". واستطرد المبعوث الأمريكي في القول بإن القيادات العربية تحولت من مرحلة التطبيع إلى مرحلة الطبيعي ويقصد ما حصل خلال مؤتمر وارسو، من لقاءات حميمة بين نتنياهو وبعض القادة العرب الذين حضروا القمة الامريكية الإقليمية في وارسو.

حتى اللحظة لم نضع الخطة المناسبة لمواجهة صفقة القرن، لحتى الان نقف مُتفرجين صامتين مستنكرين، ولا نعرف ماذا يُخطط لنا، نحن فقط نقول لا، في حين يعمل الاخرين على الحصول على نعم، ونعم تعني اخراج القدس واللاجئين من التفاوض في المرحلة القادمة، وتعني أيضا حسم القضايا الخلافية لصالح إسرائيل.

الان، من يستطيع الإجابة على السؤال الصعب، ويتوقع نتائج اليوم الثاني بعد اعلان صفقة القرن ورفضها، كيف ستبدو شوارع القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة ، ما هو موقف القيادة الفلسطينية من تبعات الرفض وما هي العقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة من جديد، ومن سيدفع ثمن الرفض الفلسطيني لصفقة القرن، وما هو موقف الفصائل الفلسطينية من التحديات الجديدة التي تعصف بالقضية الفلسطينية؟

في الأراضي الفلسطينية، ستعم التظاهرات المؤيدة لقرار القيادة الفلسطينية في مدن الضفة الغربية الرافض للصفقة، وتجديد ومبايعة الرئيس على مواقفة الوطنية، والتي تصدى فيها للإمبريالية العالمية والتغول الأمريكي في القضية الفلسطينية الهادف لتصفيتها، في حين تشهد بعض الحواجز العسكرية الإسرائيلية مواجهات من مُطلقي الحجارة وترد عليهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بقنابل الغاز والرصاص المطاطي، ويسقط عشرات الجرحى وبينهم شهداء، وتشتعل موجات الغضب لتصل الى القدس وتطول إلى أسبوع طويل قد تصل في نهاية المطاف بفرض حصار جديد على المقاطعة وحصار الرئيس عباس وتوجيه له أصابع الاتهام بقيادته موجه من العنف ضد إسرائيل.

في غزة الوضع مُختلف قليلاً، فلن تخرج الجماهير لمبايعة ونُصرة موقف الرئيس، بل رفضاً للصفقة، من خلال تعظيم قوة مسيرات العودة، واشعال المزيد من الإطارات والقاء المزيد من البالونات الحارقة باتجاه المستوطنات المحاذية لقطاع غزة.

ستعمل الولايات المتحدة على خلق المناخ وتكييف الواقع من أجل ضمان تنفيذ وتطبيق الصفقة على أرض الواقع وألا يكون مصيرها الفشل، فهي تُدرك مدى رفض الفلسطينيين لها، ولكنها تبحث عن بدائل عربية وإقليمية تكون جاهزة للتفاوض على انجاز الصفقة كبديل عن الفلسطينيين من خلال التلويح بعصا ايران في وجه الدول العربية، وهي قادرة على ذلك بعد الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية وافرازاتها الجديدة، والتي تدعم بشكل أو بأخر نجاح حزب غانتس على حساب نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، فهي تجد في غانتس بديل فاعل قادر على التعاطي والتجاوب مع بنود صفقة القرن.

الصفقة في مضمونها تسعى لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ولكن شرط أن تتخلى إسرائيل عن مسؤولياتها في المدن ذات الكثافة السكانية العالية في الضفة الغربية، وأن تصبح ضواحي القدس الشرقية العاصمة للفلسطينيين، وانهاء ما يُعرف بحل الدولتين، وإبقاء جوهر الانقسام الفلسطيني جغرافياً من خلال كيان في الضفة مُنعزل عن كيان غزة، وربطهما بممر أمن يخضع للسيادة والرقابة الإسرائيلية، وضم المستوطنات الكبرى داخل الضفة الغربية لإسرائيل وتفكيك واخلاء بعض المستوطنات العشوائية، مقابل اعتراف فلسطيني الضفة والقطاع بهودية الدولة الإسرائيلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد