لا يمكن فهم التصنيف البريطاني لـ"حزب الله" على انه منظمة إرهابية كقرار بريطاني يعبر عن معايير ذات طابع أخلاقي بقدر ما يعبر عن سياسات بات واضحاً أنها تفوح منها رائحة المصالح والمال وربما النفط الذي يشن حملاته منذ فترة طويلة وتحديداً من الحرب على سورية لتشويه مكانة الحزب اللبناني وخصوصاً بعد الحرب على سورية والانقسام الواضح أثر ما عرف بثورات الربيع العربي.


لقد اكتسب "حزب الله" حضوراً بين الشعوب العربية بعد معركته مع إسرائيل العام 2006 وصعد نجم أمينه العام آنذاك بعد أن فاجأ الجميع بأدائه في حربه ضد الدولة التي جرى التسليم بعدم القدرة على مواجهتها، وهو ما دعا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى آنذاك للقاء الأمين العام كتعبير عن احترام العرب، أنظمة وشعوباً، لما قام به الحزب وان كان في تلك الحرب التي انتهت بتشكيل لجنة فينوغراد في إسرائيل لدراسة إخفاقات الجيش كان بها ما يحرج تياراً عربياً وأنظمة عربية وثقافة عربية رأت أن الصدام مع إسرائيل هو انتحار لكن الحزب قلب الأمر مبرهنا على أنه انتصار.


ظلت إسرائيل تحفظ ولا تنسى تلك النهاية التي تدخلت كونداليزا رايس آنذاك لإنقاذ الموقف والجيش الذي علق لثلاثة وثلاثين يوماً بعد أن طلبت من الجميع عدم التدخل في البدايات وترك جيش إسرائيل يستولد شرق أوسط جديدا، كما قالت. ويلد من ركام "حزب الله" بعد سحقه كما تمنت لكن أشرعة الجيش الإسرائيلي التي تكسرت على مداخل القرى اللبنانية كانت بحاجة الى إنقاذ من خلال القرار 1701.


في بدايات الحرب في سورية رأت إسرائيل أن سقوط النظام في سورية سينهي واحدة من أكثر القضايا التي آلمتها وأرقتها وكسرت قوتها وأسقطت مقولة الجيش الذي لا يقهر والجيش الذي يشكل القوة الضاربة في المنطقة، وقد اجتمع حينها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي آنذاك يعقوب عميدور مع السفراء الأجانب وكان الأكثر وضوحاً في التعبير عن رؤية إسرائيل التي تأخرت من الحرب في سورية، حيث أبلغهم أن ليس لديه مشاكل مع بقاء أو إزالة النظام السوري ولكن سقوطه هو ما تريده إسرائيل حيث سيعمل على تجفيف "حزب الله" وأن إسرائيل لا يعنيها سوى الحزب اللبناني الذي سترقب نهايته بعد سقوط الأسد وقطع الطريق الواصل من طهران أو ربما أن القوى المتشددة التي تقاتل في سورية بعد انتصارها ستكمل طريقها نحو بيروت وينتهي الحزب في حرب مذهبية.


نفخت بعض دول النفط في الصراع في سورية ثم بدأ التصنيف المذهبي لنكتشف فجأة أن "حزب الله" هو حزب شيعي وطبعاً هذا كله بعد أن دخل الحزب بقوة في سورية وأول دخوله أحدث تحولا في تلك الحرب وتحديداً معركة القصير التي تمت في أيار 2011 والتي أعادت إسرائيل، بسببها، تدريباً كانت قد أجرته على طول البلاد وعرضها لأن هناك أداء جديدا مفاجئا للحزب ظهر في القصير لم يؤخذ بعين الاعتبار في التدريب الذي سمته "نقطة تحول".


ومع تقدم الحزب والحرب في سورية كانت إسرائيل تنظر بنوع من القلق والتي راهنت على أن الحزب سينتهي جريحاً وسيعود محملاً بالتوابيت إذ بها تكتشف أن الحرب هناك أضافت له تجربة جديدة جعلته أقوى مما سبق. ومع بدء الوجود الروسي في سورية أيقنت إسرائيل أن الحزب اكتسب مهارات جديدة وتكنولوجيا أكثر تقدماً ربما أعلى مما لدى إسرائيل وذات مرة أغلقت إسرائيل مطار بن غوريون ليكتشف لاحقاً أن الحزب اخترق النظام الإلكتروني للمطار لمدة ثلث ساعة ما أدى لتعطيله.


الحملة ضد "حزب الله" تصاعدت مع تصاعد الرغبة الإسرائيلية بالانتقام وسحق الحزب رغم أن الحزب لم يقم بأي عمل عدائي ضد أي دولة ولا حتى الدول العربية، لكن الحملة ضده والمدعومة إسرائيلياً لم تتوقف تمت شيطنته وأخرج مارد المذهبية من قمقمه ليتحول الحزب من المنظمة التي تمكنت من كسر القدم الإسرائيلية ومدعاة للفخر الى الحزب الشيعي الذي تنصب كل جهوده على زرع الفتنة في المنطقة.


هذا في غمرة الصراع لدرجة ذهب بها بعض رجال الدين الى اعتبار أن المذهب الشيعي أكثر خطورة من إسرائيل ولم يكن ذلك مصادفات بقدر ما كان تمهيداً لإخراج الحزب من الملة وتكفيره.


جاء الرئيس الأميركي ترامب الى الرياض ليضع الحزب ضمن المنظمات الإرهابية ومعه كثير من المنظمات المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وبصعوبة فلتت حركة حماس ولم يكن ذلك عفوياً في أطار السياسة الأميركية المطبوخة مع تل أبيب. لكن الهجمة التي تعرض لها الحزب لا يمكن الاعتقاد أنها ليست أكثر من تصفية حساب إسرائيلية لأن الحزب لا زال يرد في كل تقارير الأمن الإسرائيلي السنوية عندما يتم رصد الأخطار المحيطة بإسرائيل يندرج الحزب اللبناني ضمن هذه الأخطار.


الولايات المتحدة تعلن على الملأ تحالفها مع إسرائيل ودعمها العسكري والسياسي والاقتصادي لتل أبيب ولا تخجل من ممارسة ذلك. والجميع يعرف أن إسرائيل باتت كأنها جزء من الولايات المتحدة أو إحدى ولاياتها تصادق أصدقاءها وتعادي أعداءها وهذا ليس أمرا جديداً، لكن الجديد أن تذهب بريطانيا الى حد التماثل مع إسرائيل في معاداة خصومها لتصنف "حزب الله" وفقاً للمعايير الإسرائيلية تماماً.


حصل ذلك بعد أسبوع من انسحاب الكتلة المؤيدة لإسرائيل في حزب العمال البريطاني من أعضاء البرلمان بسبب اتخاذ حزبهم بزعامة جيرمي كوربن سياسات اعتبروها يسارية متطرفة ضد إسرائيل، وبالتالي فإن التصنيف الجديد للحزب هو نوع من المزاودة وتعزيز حالة استقطاب باتجاه إحراج حزب العمال ورئيسه وإظهار السياسة البريطانية كنقيض مع توجهات الحزب الجديدة وكسب دعم إسرائيل لخصوم كوربن.


السلوك الإسرائيلي وتقارير المنظمات الدولية الأخيرة التي رصدت الممارسات الإسرائيلية اعتبرت أنها ترقى الى جرائم حرب، وما يمارسه المستوطنون في الضفة أيضاً كما قالت صحيفة "هآرتس" يمنع المواطنين من الوصول الى حقولهم وخوف هؤلاء المواطنين من الذهاب يندرج في إطار الإرهاب، وإذا كانت هناك منظمات أممية تدين إسرائيل فلا أحد من أوروبا أو حتى من العرب يدينها ولكن عندما يكون هناك ثأر قديم بين إسرائيل و"حزب الله" يتم التطوع لتصنيفه كمنظمة إرهابية، هذه هي العدالة الجديدة من عدالة القوة المال والنفط والنفوذ...!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد