كيف يمكن السيطرة على حرائق الغابات؟

حرائق كاليفورنيا

استعر لهيب النيران في غابات كاليفورنيا عند منتصف الليل حيث أضئيت سماءها بالكامل وقد بلغت سرعة انتشار الحرائق حدًا عجزت معه السلطات عن السيطرة عليها وذلك لعوامل جويةٍ مختلفة منها انخفاض الرطوبة وقوة الرياح ووجود مصادر للوقود.

وقد سجلت في كاليفورنيا العام الماضي أشد الحرائق ضراوة على الإطلاق، وعندما اجتاحت بلدة باراديس بولاية كاليفورنيا، أودت بحياة 86 شخصا. لكن الحرائق غدت مشكلة عالمية، لا تقتصر على دولة بعينها، إذ اندلعت حرائق في الساحل اليوناني وغابات أستراليا والمملكة المتحدة وفي الدائرة القطبية.

ويعد انتشار الحرائق أحد انعكاسات تغير المناخ، الذي أدى إلى زيادة موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتغيير أنماط هبوب الرياح وانخفاض الرطوبة. وكل هذه العوامل قد تؤدي إلى زيادة مخاطر اندلاع حرائق الغابات مستقبلا.

وقد تتطلب السيطرة على حرائق الغابات فهما عميقا للغابات وأساليب إدارتها، ولا يملك هذه المعلومات سوى زمرة من الخبراء المتخصصين. ولهذا استعان البعض بالذكاء الاصطناعي.

وتستخدم شركة "سيلفيا تيرا" في سان فرانسيسكو الذكاء الاصطناعي لرسم خرائط للغابات، وتوفير المعلومات للجهات التخطيطية لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتقليل مخاطر اندلاع الحرائق.

ويستخدم فريق الإحصاء الحيوي بيانات جُمعت بالأقمار الصناعية وصورا جوية وتقنيات المسح بالليزر لقياس توزيع الغطاء النباتي. ثم تعالج الخوارزميات هذه المعلومات لتقييم حجم الأشجار في المناطق المختلفة وأنواعها. ويعد الفريق في الوقت الحالي خريطة لكل غابة في الولايات المتحدة. وفور اكتمال الخرائط ستساعد الخوارزميات السلطات في تحديد المناطق الأكثر عرضة لخطر الحرائق.

وتُقدر مخاطر الحرائق بحسب كثافة الأشجار وأنواعها وأحجامها. فبعض الأشجار مثلا أكثر قابلية للاشتعال من غيرها، وهذا يرجع لعوامل عديدة منها الزيت المختزن في اللحاء وشكل أوراق الشجر وكثافتها.

وبعد تحليل المنطقة المحيطة ببلدة باراديس في كاليفورنيا، على سبيل المثال، حددت الشركة المناطق الأكثر عرضة لمخاطر اندلاع الحرائق، التي تتطلب تدخلا عاجلا من السلطات لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، سواء بوضع حواجز أو قطع بعض الأشجار.

وتصلح هذه التقنيات أيضا في التخفيف من آثار كوارث طبيعية أخرى. إذ تحدث الفيضانات مثلا عندما يترافق هطول الأمطار مع إساءة استغلال التربة، وتهالك شبكات الصرف الصحي، وضعف القدرة الاستيعابية للمجاري المائية. ولا توفر معظم نماذج التنبؤ بالفيضانات توقعات دقيقة بمواعيد حدوثها.

ويعمل مايكل سوفرونت، من جامعة بريغهام يونغ بولاية يوتا، على إدخال بعض التعديلات على نظام التنبؤ بمخاطر الفيضانات العالمية باستخدام الذكاء الاصطناعي ليأخذ في الحسبان الأنهار والجداول الأصغر حجما.

وكثيرا ما تبدأ الفيضانات من الجداول والممرات المائية الصغيرة، ولهذا فلا يمكن الاستعداد لمخاطر الفيضانات دون وضع المجاري المائية الصغيرة في الاعتبار. وطور سوفرونت أيضا تطبيقا يعتمد على الإنترنت يظهر مخاطر حدوث الفيضانات لكل جدول مياه على حدة. ويوفر هذا التطبيق معلومات أكثر دقة بمراحل عن مخاطر الفيضانات مقارنة بأنظمة الإنذار السابقة، وقد تستعين بها السلطات المحلية في اتخاذ الإجراءات المناسبة لدرء أخطار الفيضانات عن المدن والبلدات.

وفي عام 2015، ضرب مدينة ليدز بشمال إنجلترا واحد من أشد الفيضانات التي سُجلت على الإطلاق. وفي أعقاب الكارثة، طورت شركة "سينسات" نسخة افتراضية للسهل الفيضي لنهر إير، حتى يتسنى للكمبيوتر تحليل النهر والخصائص الطبوغرافية وتقييم مخاطر حدوث الفياضانات في ضوء متغيرات عديدة يعجز البشر بمفردهم عن إحصائها.

وحلقت طائرات بدون طيار فوق وادي نهر إير لالتقاط صور وإجراء قياسات، لإعداد نموذج رقمي للنهر وسهله الفيضي، واستخدمت الشركة الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات.

وساعدت الخريطة التي أعدها الكمبيوتر بناء على هذه المعطيات في تحديد الإجراءات المطلوب اتخاذها للحد من مخاطر الفيضانات في المنطقة.

لكن ثمة كوارث طبيعية لا يمكن تفاديها، كالزلازل وثورة البراكين والأعاصير المدارية، التي يتعذر التنبؤ بها والسيطرة عليها. وبالرغم من أن هذه الكوارث تحصد لحظة وقوعها الكثير من الأرواح، إلا أن استجابة فرق الإنقاذ تلعب دورا كبيرا في إنقاذ حياة الكثيرين.

ويعمل فريق من جامعة توهوكو في اليابان على ابتكار طرق لتحسين فرص العثور على الأشخاص وإنقاذهم من تحت الأنقاض في المناطق التي تضربها موجات المد العاتية (تسونامي) والبراكين والزلازل.

وفي مارس/ آذار 2011، ضرب اليابان واحد من أقوى الزلازل التي سجلت في المنطقة، وتسبب في تحريك جزيرة هونشو بأكملها بمقدار 2.4 متر وأزاح محور دوران الأرض بنحو 17 سنتيمترا، وأحدث موجات تسونامي دمرت أجزاء واسعة من الساحل الشرقي لليابان وأدى إلى وقوع كارثة مفاعل دايتشي النووي بفوكوشيما.

وكانت منطقة توهوكو من أشد المناطق تضررا، إذ أودت موجات التسونامي بحياة 20 ألف شخص، ولا يزال 2000 شخص في عداد المفقودين.

وعندما ضربت موجات تسونامي 14 دولة آسيوية وأفريقية في عام 2004، قدر عدد الضحايا بنحو 230 ألف شخص. وأرجع البعض ارتفاع أعداد الضحايا إلى ضعف التواصل، نظرا لأن البلدان التي ضربتها موجات التسونامي في طريقها من إندونيسيا إلى الساحل الشرقي لأفريقيا قد أخذت على حين غفلة، بسبب غياب أنظمة الإنذار المبكر. وواجه عمال الإنقاذ صعوبة في العثور على المناطق الأكثر احتياجا للمساعدة بسبب انقطاع شبكات الاتصالات في مناطق بأكملها.

وقد طور باي يانبينغ، من جامعة توهوكو، أداة تستعين بالذكاء الاصطناعي لتحديد المناطق التي تأثرت بالكوارث الطبيعية وتقييم حجم الضرر الفعلي وتوجيه الحكومات وفرق الإنقاذ إلى المناطق الأكثر احتياجا للمساعدة. وتعتمد هذه الأداة على خوارزميات تعالج صورا تلتقط بالأقمار الصناعية عقب الكارثة مباشرة، لتصنف المباني ضمن فئات عديدة وفقا لحجم الدمار ومدى ثباتها على الأرض.

ويقول لوكاس جوبا، المسؤول البيئي بشركة مايكروسوفت الممولة للمشروع، إن هذه النتائج قد ترسل إلى أجهزة الطوارئ وتمدّهم بالمعلومات التي يحتاجونها لحظة بلحظة لإنقاذ حياة المصابين، وحماية أنفسهم عند دخول المناطق المتضررة.

ولا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على تنسيق الجهود للإنقاذ، بل قد يتدخل بنفسه للمساعدة في جهود الإنقاذ.

وتطور كاتيا سيكارا، مديرة مختبر علم الروبوت بجامعة كارنيغي ميلون بمدينة بيتسبرغ، أسرابا من الروبوتات القادرة على دخول المناطق المنكوبة للبحث عن ناجين. وتعتمد الروبوتات على تقنية الرؤية الحاسوبية لمعالجة المشهد واتخاذ قراراتها الخاصة.

وتقول سيكارا إن الروبوتات بإمكانها الوصول إلى المناطق شديدة الخطورة التي يتعذر على البشر دخولها للبحث عن ضحايا. لكن التحدي الأكبر أمامها هو تمكين هذه الروبوتات من التحرك في بيئات مجهولة التضاريس، فقد تعترض طريقها عقبات غير متوقعة.

ويرى باحثون أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه أيضا التنبؤ بالكوارث الطبيعية. إذ أصبح الباحثون قاب قوسين أو أدنى من التنبؤ بتوابع الزلازل، التي قد لا تقل ضررا عن الزلزال الأول. فقد خلف الزلزال الذي ضرب مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا أضرارا واسعة لكنه لم يوقع ضحايا، في حين أن أحد توابعه بعد خمسة أشهر أودى بحياة 185 شخصا.

وعندما أدخل فريق من جامعة هارفارد معلومات عن مئات الآلاف من الزلازل إلى شبكة عصبية اصطناعية، تنبأ الذكاء الاصطناعي بتوابع الزلازل بدقة أعلى مقارنة بالطرق السابقة.

لكن الطريق إلى التنبؤ بالكوارث الطبيعية والاستعداد لها لا يزال مليئا بالعقبات، أهمها نقص المعلومات. ونظرا لندرة هذه الكوارث، فإن البيانات التي تعتمد عليها الخوارزميات للتنبؤ بدقة بالكوارث الطبيعية لا تزال غير كافية.

فضلا عن أن الكوارث تنطوي على متغيرات عديدة قد تؤدي إلى اشتداد قوة إعصار أو حدوث موجات تسونامي عقب ثورة بركان.

ورغم ذلك، يقول جوبا إن أي تطور طفيف في هذا المجال كفيل بإحداث أثر واسع النطاق. فإن هذه التقنيات قد تتيح لأجهزة الإنقاذ وقتا أطول لإخلاء المناطق المتضررة، وتسهم في توجيه الموارد في الاتجاه الصحيح لدرء مخاطر الفيضانات. ففي أعقاب الكوارث الطبيعية، قد تسهم هذه الساعات والدقائق الفارقة في إنقاذ المزيد من الأرواح, بحسب موقع بي بي سي عربي.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد