مجتمع صغير يخلو من القمح في غزة

حساسية القمح

في كل عام يحتفل يامن بعيد ميلاده بقالب حلوى خاص به وبوالدته يحضرانه بخالص الحب وكذلك بمكونات خاصة لهما خالية من الجلوتين، لتناسب ما يعرف بـ" حساسية القمح" أو "حساسية الجلوتين" الذي يعاني منه منذ سنوات, متبعاً حمية غذائية خاصة به تجنبه الوقوع في الآثار الجانبية للمرض.

يبلغ يامن اليوم من العمر اثني عشر عاماً، يحاول الاندماج بين أصدقائه رغم اتباعه حمية خاصة تبعده عن منتجات طحين القمح، منذ بلوغه الأربع سنوات شُخصت إصابته بحساسية القمح لأسباب وراثية تظهر في إصابة والدته بذات المرض.

تقول والدة يامن دينا شاهين:" بعد إجراء منظار للمعدة والأمعاء تم تشخيص حالة يامن بحساسية القمح من الدرجة الأولى وبدأت معه بتنظيم حميتنا الصحية منذ ذلك الوقت"، يُمنع كلاً من دينا ويامن من تناول المنتجات التي يدخل فيها طحين القمح المتداول بين الناس سواء بالمخبوزات أو أنواع المعكرونة أو البسكويت أو الكيك، بطحين خاص خالي من الجلوتين تحضر دينا مخبوزاتها وتطلق لنفسها ولطفلها بديلاً صحياً وعلاجاً يقيهما ضر الأمراض.

نظراً لارتفاع أسعار المنتجات الخالية من الجلوتين تضطر بعض العائلات لإخراج مصابيها من حميتهم الخاصة التي من شأنها أن تحميهم من ضعف المناعة ونقص النمو ونقص الوزن بشكل مفرط ومفاجئ.

توضح شاهين بأن دور الجمعيات الأهلية ورغم وجوده الحقيقي إلا أنه لا يحقق النسبة الأعلى المتوقعة لتغطية احتياجات مصابي حساسية القمح، وتضيف:" بعض الجمعيات توفر المنتجات الخالية من الجلوتين ولكن بكميات قليلة لا تفي بالغرض لفترة طويلة كشهر مثلا"، وبوجه آخر يبعد قليلاً عن النظام الغذائي الخاص بالمصابين، ففي حال اصابتهم بأي عدوى فيروسية أو إصابة مرضية فإنهم يعانون أيضاً من توفر العلاج الخالي من الجلوتين وقلة وعي الجهات المعنية بهذا النوع من الخلل الجسدي.

يوضح طبيب الأطفال والمدير التنفيذي لجمعية أرض الانسان عدنان الوحيدي بأن حساسية القمح هو عبارة عن خلل يصيب خملات الأمعاء الدقيقة ويؤدي لسوء الامتصاص لكل العناصر الغذائية او البعض منها وقد ينعكس الامر لحدوث مضاعفات تحمل صفة المادة التي يصل نقص ترسيبها لمستوى كبير، فعند نقص امتصاص الكالسيوم يصاب الأطفال بليونة العظام والبالغين تصيبهم هشاشة العظام الحادة كما ان نقص الحديد يؤدي للإصابة بفقر الدم ويصيب بصورة عامة الأشخاص المؤهلين وراثياً للإصابة به.

لا وجود للإحصاءات

يؤكد الوحيدي بانه لا يمكن بحال إجراء إحصاء دقيق مستند للأدلة والفحوصات لحصد عدد مصابي حساسية القمح في القطاع لارتفاع ميزانية الأمر، ويقول:" لم يتم إجراء مسح لعدد المصابين حتى الآن ولا يوجد أبحاث تحدد الفئات العمرية المصابة لكن المترددون على جميعة أرض الانسان يصل عددهم لحوالي 1085مصاب معظمهم دون سن الـ17 عاماً يحصلون على المواد الغذائية والتوعية اللازمة بأعراض المرض ومعالجة الأعراض الجانبية بحال عدم الالتزام بالحمية وكذلك إحالة الحالات المعقدة والمستعصية للاختصاصيين في وزارة الصحة لإجراء الفحوصات والخزعة المعوية عند الضرورة.

وتبقى الأعداد التي يتم التحدث عنها في إطار المصابين بحساسية الجلوتين هي أعداد يجب متابعة حالتها بشكل دائم نظراً لأن الإصابة دائمة غير متوقفة كغيرها من الأمراض.

الدور الحكومي لمصابي حساسية الجلوتين

يشير الوحيدي في حديثه أن وزارة الصحة الفلسطينية مثقلة بأعباء ثقيلة وهنا يظهر دور المؤسسات الأهلية في خدمة الفئات المختلفة من الشعب، ويردف قائلاً:" على المؤسسات والجمعيات مؤازرة وزارة الصحة باعتبارها جزء لا يتجزأ من الشعب، وفي الآونة الأخيرة والظروف الاقتصادية السيئة والحصار المفروض والخنق المالي المتعمد للمؤسسات الفلسطينية في غزة فإن بعض الجمعيات تعفي العائلات بجزء بسيط من قيمة المنتجات الخالية من الجلوتين".

متجر يخلو من الجلوتين

أحد المتاجر البسيطة التي تجمع على رفوفها عدداً من المنتجات الخالية من الجلوتين, يوفر الطحين والحلويات والبهارات وأصناف متعددة من المأكولات المطبوخة خصيصاً لمصابي حساسية القمح، أم السعيد صاحبة المتجر امتلكت دافعاً قوياً لافتتاح متجرها الخاص بعد اكتشافها أن ابنتها من ضمن المصابين، لتقدم الراحة لعائلتها وعائلات أخرى تمضي ساعات تلو الأخرى في المتاجر بحثاً عما يرضي صحة أطفالها.

"نستورد المنتجات من الداخل المحتل عبر التجار الذين يسهل دخولهم، نختار بعناية فائقة المنتجات ونوصيهم ورغم ارتفاع أسعارها خارج القطاع إلا أنها تباع بسعر أقل لدينا، نسعى دائماً لتوفير المنتجات وتسهيل الحصول عليها لأننا نعلم حجم المعاناة التي يعانيها المصابين وذويهم"، تعمل أم السعيد مع زوجها يداً بيد للحرص على خلو المنتجات من القمح، يصل حرصهم للمرحلة التي تجعلهم ينتقون المنتجات يدوياً للتأكد من سلامتها، ويضعون نصب أعينهم الحاجات الصحية العديد من الأطفال المتبعين للحمية الغذائية لضمان حصولهم على العناصر الغذائية الكاملة وتجنب الإصابة بالمضاعفات.

وتؤكد صاحبة المتجر أنه من الضروري زيادة الوعي والتثقيف لدى الأطباء والناس بشكل عام عن طبيعة الحميات الغذائية الخاصة التي من الممكن اتباعها من غير المصابين بحساسية الجلوتين، ودور المؤسسات في تدارك خطورة الأمر رغم بساطته في نظر العديد.

ووجهت رسالتها لوزارة الصحة والمؤسسات الحكومية بمتابعة الأمر وعدم تركه فقط للمؤسسات الأهلية، تضيف:" بالرغم من محدودية عدد المصابين بحساسية الجلوتين والذي يرتادون بشكل دوري جمعية أرض الانسان إلا أنه يجدر بوزارة الصحة أيضاً الإلمام بالموضوع ووضعها في الحسبان حالة متبعي الحميات بحال لم تصلهم منتجاتهم الخاصة".

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد